نهضة الشباب اليوم إحدى الظواهر المميزة لهذا الجيل. وهي أجلى ما تكون في الأمم المظلومة أو المهددة بالظلم. كأنما أخفق في سياستها (رأي) الشيوخ، فصمد إلى قيادتها (عزم) الشباب! والواقع أن هذه النخوة القدسية التي تعصف برؤوس الفتيان في إيطاليا وألمانيا وسورية ومصر، إنما هي القارعة التي تُصمُّ والظاهرة التي تخيف، لأن الشباب إذا كان لهم الصف الأول في الحرب، فان لهم الصف الأخير في السلم، فإذا ألجأهم تقلب الصروف إلى تقدم الصفوف، دل ذلك على سياسة عاجزة، أو سِلْمٍ مرببة، أو خطر محدق. وعجز السياسة اتهام لحنكة السن، ورياء السلم إيذان بصراحة الحرب، وتفارُس الأهواء إعلان بنزول الغاشية. فا (لفاشيَّة) و (النازية) و (عصبة العمل القومي) و (عيد الوطن الاقتصادي) وغيرها من حركات الشباب وثبات دفاعية بعثتها لإنسانية المهددة بالتفكك والفوضى والهوان والاستعباد والجشع. ولئن كان لكل دولة من هذه الدول، علة أو أكثر من هذه العلل، فان مصر البائسة تكابد هذه النكبات جميعا! فأخلاقها تفككها الحزبية الأثِرَة، وآراؤها تشتتها المطامع الخسيسة، وكرامتها تهينها الامتيازات الباغية، وقوميتها توهنها الأجنبية الموغلة، وحريتها تقيدها القوة المحتلة، وأرزاقها تسلبها (الضيافة) الثقيلة، وأبناؤها (الكرماء) القانعون الخانعون قد ألفوا مضاجع الهون فلا تؤذيهم الفضاضة، ولا تؤلمهم الخصاصة، ولا يبغون حِوَلا عن هذه الحال! ولكن الشباب، وإن أعدهم هذا الحاضر الذليل، قد أعانتهم خصائص الفتوة، وغرائز الفطرة، على أن يدركوا ما نحن فيه من ضراعة الجانب، ووضاعة الشأن، وضيق المضطرب، فهبوا يُعِزُّون النفوس الذليلة، ويمنعون الحوزة المباحة، ويستردون الثروة المضاعة، ويمهدون لهذا البلد العاني طريق الاستقلال الخالص السعيد! ومَن أحقُّ بحماية الوطن وإعزازه من الشباب؟! انهم يعيشون للغد وآباؤهم يعيشون لليوم. فهم يحرصون على المستقبل ويجعلون الحاضر رأس مال، وأولئك يحرصون على الحاضر ويعدون المستقبل تركة! وشتان بين من يعمل لنفسه عن حاجة وبين من يعمل لغيره عن عاطفة.
لقد كان شبابنا ومازالوا أُغرودة الأمل الباسم في فم وادينا الجميل،
وسر النشاط الدافق في روح نهضتنا المرجوة، حملوا وما زالوا