للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصص]

قصة واقعية

إنه أخي. . .

للأستاذ محمد سعيد العريان

كان المطر ينهمر، والريح العاصف تحمل قطرات الماء إلى وجوه المارة وثيابهم، فتغمض عيونهم، وهم يسيرون على حيد الطريق في حذر ورقبة خشية أن تزلق أقدامهم فيتدحرجوا في الوحل، والسيارات منطلقة براكبيها من ذوي اليسار والنعمة، فتقذف عجلاتها رشاش الماء على جانبيها فيصيب وجوه الناس وأرديتهم، لا يكادون يدفعون عن أنفسهم شيئاً مما تقذفهم به الأرض أو تنالهم به السماء

وكان الليل في أوله. . .

وفي مُنْعطَف يُفضي إلى أربعة بيوت في حي (شبرا) كان فتى دون الثلاثين واقفاً تحت السماء وقفة مرتقب وعيناه معلقتان بنافذة مغلقة، لا يزيد على أن يرفع ليها عينيه حيناً، وإلى الطريق العام حينماً آخر، وهو واقف، والساعات تمضي، والمطر ينهمر، والريح تلطم وجهه بقطرات الماء، وفي يده ورقة مطوية. . .

وكان بوابو البيوت الأربعة مجتمعين وراء أحد الأبواب، وبين أيديهم نار يصطلونها وهم يسمرون، وكان لكل أسرة من سكان البيوت الأربعة حظ من حديثهم وسمرهم؛ وهل يجتمع مثل هؤلاء إلا لمثل ذاك؟ وكانوا في غفلة عن الفتى، والفتى عنهم في غفلة. . .

وطال الانتظار بالفتى ونال منه البرد القارص، ونفذ الماء من ثيابه إلى جسده، وكان شعره الأشعث يقطر ماء على جبينه؛ فلم يتنبه إلا من بعد هذه الشرفة التي تلقي ظلالها على جانب من الطريق، فأوى إلى ظلها يحتمي من المطر والريح في هذه الليلة الباردة. . .

. . . لولا ثيابه الحائلة، ونظراته الضارعة، وذلك الفتور في عينيه، وهذا الشحوب في وجنتيه، ولولا هذه اللحية التي لم يمسها حدّ الموس منذ أيام - لحسبه من يراه عاشقاً قد أضّله هواه فأخرجه في هذا الجو العاصف، يرجو موعداً أو يتزود بنضرة. . . ولكن على وجهه سمات ليس مثلها في وجوه العشاق!

<<  <  ج:
ص:  >  >>