في قرب الساعة الحادية عشر من صباح يوم الاثنين ٤ يونيو لسنة ١٩٣٤ قدم إلى حيث كنا نشتغل بتحرير صحيفة أدبية أحد السعاة في جريدة (البلاغ) وطلب إلي أن أتوجه لملاقاة الأستاذ عبد القادر حمزة؛ وفي مساء ذلك اليوم لقيت لأول مرة ذلك الرجل الذي أحببته وأكبرته. وبدأت
عملي محرراً في (البلاغ) خمس سنين
كنت قبل هذا التاريخ لا يفوتني شيء مما يكتبة عبد القادر حمزة. وكنت أجد في قرأته مثل ما يجد الشارب الذوَّاق من كأس خمر معتق؛ فلما اتصلت بيني وبينه الأسباب وخالطته بالعمل والعشرة زاد حبي له وزدت إعجاباً بشخصه
إما عبد القادر حمزة الكاتب والسياسي والمؤرخ، وعبد القادر حمزة المجاهد الصادق الجهاد في سبيل مصر والحركة الوطنية والدستور، وعبد القادر حمزة الخصم السياسي، فذلك كله ليس من شأني أن اكتب عنه اليوم لقراء (الرسالة)؛ فقد كتب فيه وسيكتب كثيرون غيري. وسيكب التاريخ عن هذا كله كلمة الحق
إما أنا فساكتب شيئاُ من ذكريات تلك السنين الخمس التي قضيتها في صحبة عبد القادر حمزة باشا صاحب (البلاغ)
كان أستاذنا عبد القادر رجلاً أمْيز ما ينفرد به من الخلق: الطيبة والتواضع وبساطة النفس والعناد ثم الانكفاف عن الناس وعفة القلم واللسان
في صبّاح يوم من صيف إحدى السنوات القريبة أراد المرحوم عبد القادر باشا أن يزور رجلاً من كبار رجال الدولة في ذلك العهد. وكان عملي في (البلاغ) يجعلني من ألصق الناس بذلك الرجل، فناداني الأستاذ عبد القادر وطلب أن أرافقه في زيارة ذلك العظيم ليشكره على أمر ما
فلما أخذنا أماكن جلوسنا في سيارة الأستاذ بدأت أحدثه عن ذلك العظيم، فقال إنه لا يعرفه إلا أقل المعرفة، وأنه لم يجتمع به سوى مرات قليلة في مناسبات مكتفياً بالتحية من بعيد، فتعجبت مما قال! كيف لا يعرف الأستاذ عبد القادر حمزة وهو من ابرز رجال المجتمع