قرأت ما كتبه الأستاذ الدكتور عبد الوهاب عزام عن (التأليف والنشر في مصر). وقد روى فيه أن أحد أصحاب المعالي وزراء الدولة في الحكومة القائمة دعا إليه جماعة من الكتاب وحدثهم في تنشيط التأليف في مصر ومكافأة المؤلفين ووعد في هذا وعوداً حسنة.
وهذا صحيح، فقد روى لي مثله صديق من الكتاب، ولا علم لي بما ينوي وزير الدولة أن يصنع، وأحسبه لا يزال يستطلع الآراء ويستشير أهل الذكر في هذا، فلندع له بالتوفيق، ولنسأله تعالى ألا يشغله بما هو أهم وأولى بعناية وزراء الدولة، من شئون الدولة، ولو كنت مكانه لكان حسبي أن أستطيع تنظيم أمور النشر على وجه صالح ونحو عادل، ولتركت غيري من الوزراء يحملون الأعباء الأخر.
وخلاصة التجارب في هذا الباب أن الأدب في مصر لا يُعوَل عليه في أمور المعاش، وأن الأديب الذي ليست له صناعة أخرى يرتزق منها ويحيا بها خليق أن يموت جوعا. وقد كان المرحوم السباعي يقول على سبيل المزاح: إن الأديب ينبغي أن يكون أديباً وشيئاً آخر. . . طبالاً، أو زماراً، أو عواداً، أو غير ذلك مما يجري مجراه. والذي كان يقول هازلاً. هو الجد الصميم. ودع الطبل والزمر وما إلى هذا فما كان يريد إلا السخرية والنكتة، وكانت المرارة التي يحسها في نفسه تفيض على لسانه على هذا النحو. على أن الواقع مع ذلك أنه لا غنى للأديب في مصر عن مرتزق غير الأدب، يجعل معتمده بعد الله عليه. وما أعرف في هذا البلد أديباً وسعه أن يجتزئ بالأدب؛ ولو كان هذا مما يدخل في الطاقة عندنا لكنتُ من أحق الناس بالقدرة عليه.
وكلام فارغ كل ما يقال عن الحرفة وإدراكها للأديب، فما تفعل ذلك إلا في مثل بلادنا، وحتى أدباء العرب وشعراؤهم لم يدركهم شيء من الحرفة، وإنما كانوا هم المجانين، إلا إذا كان المقصود أن بلاء الحرفة من النفس؛ على أن هذا مبحث آخر، قد نعود إليه في فصل آخر.
وقد جربت كل وسائل النشر في مصر، وانتهيت إلى أن الأمر لا ينقصه سوى التنظيم. ففي مصر والبلاد العربية الأخرى عدد كاف من القراء يستطيع الكاتب أو الشاعر أن يعول