لا يتوقع إلا قلائل من الباحثين إمكان الوصول إلى قانون عام في موضوع نمو السكان ينطبق على الشعوب وفي كل الأزمان؛ ولهذا تحتل اليوم مشكلة التوازن القسم الأكبر من أعمال الباحثين في مسائل السكان وفي مسائل المواد الغذائية على السواء. ولكن فروض مالتوس كانت بمثابة فتيلة ظلت متقدة طوال عصور التاريخ من حين نشر هذا العالم نظريته. وإذا كان هناك من يميل إلى إنكار هذه الفروض فيجب عليه تبعاً لذلك أن يطلع على الملاحظة الدقيقة التي أثبتها لينارد هوبوس والتي قال فيها (إن نظرية مالتوس ذاتها كانت من جملة الأسباب في هزيمة تنبؤاتها فقد كان فحواها أن السكان يتزايدون بسرعة فائقة في الوقت الذي تجري فيه عمليات غير مباشرة تعمل للحد من هذه الزيادة).
ويظن علماء الإحصاء اليوم بأن نظرية مالثوس تكون أكثر نفعاً متى اعتبرت على ضوء صلتها بعصور الدورة الإحصائية العالمية وهي العصور التي تمثل مراحل مختلفة مرت بها شعوب ومناطق مختلفة. وقد بذلك فرنك نوتستين ومساعدوه في جامعة برنستون جهوداً كبيرة لاكتشاف هذه الدورة وترتيب هذه المراحل كما يلي: المرحلة الاحتمالية، والمرحلة الانتقالية، وتمثلت في التجربة الأوروبية الغربية التي شهد مالثوس قسما منها، ومرحلة الهبوط الأولى، (وهذه المرحلة لم ترد في نظرية مالثوس).
يخمن الأستاذ نوتستين بأن ما يقارب نصف سكان العالم هم اليوم في مرحلة النمو الاحتمالي بالقياس إلى العصور الإقطاعية. وإن الشرق الأدنى وجميع آسيا (باستثناء اليابان والاتحاد السوفيتي) والبلدان المتأخرة في جنوب ووسط أميركا لا تزال، مع بعض الاختلافات، في هذه المرحلة التي سبقت عهد مالتوس. فهناك ولادات كثيرة ولكن عدد السكان لا يزال ثابتاً بسبب ارتفاع معدل الوفيات. وهذه هي البلدان التي يمكن إنقاذ النفوس فيها بالوسائل الطبية والصحية ولا يمكن فقدانها إلا بسبب الفقر والمجاعة وفق طريقة مالتوس الأصلية. ومع أنه من الصعب أن نشرح بأي قدر من الدقة الظروف التي تحيط بشعب ما وتؤدي إلى انعدام الطرق الإحصائية الحديثة فيه، إلا أنه من المحتمل اتخاذ