تكتب يد بليدة ما رأته عين ضيقة في الدنيا الواسعة ذات الأبواب التي لا عدد لها، كتابة المتعجل الذي يريد أن يرى ويسجل قبل الرحلة التي لا رجعى بعدها هنا. . .
ورحلتنا من هنا قد حملت كثيراً من الركب على أن يتخففوا ما استطاعوا، وأن يمروا على أشياء الدنيا بالنظرة الخاطفة، والخطوة العابرة، إيماناً بأن كل شيء هنا للفناء والعفاء، فلا غناء فيه ولا وراء من أخذه في الحس وتسجيله في النفس والطرس بالتأمل والدرس
بيد أن كل هذه الأضواء الفانية، والألوان الفاصلة، والرؤى المتلاحقة، والدنيا التي تمتلئ وتفرغ كل لحظة. . . هي أحق شيء بالتسجيل وفتح الأعين الخفية عليها من غير إغماض أبداً
فلئن عشنا حياة أخرى، وهو الموقن به في إلهام الروح، والمحكوم به في إثبات العقل، فان أمتع شيء لنا هناك أن نستعرض صورنا هنا يوم تمحي هذه الأرض من الوجود ولا تبقى إلا في النفس الإنسانية كمرحلة من مراحلها في سيرها إلى غايتها المجهولة
ولكن الألفاظ ضيقة والدنيا واسعة والحياة سريعة السير. فلا أدري هل أنا مستطيع أن آخذ في ألفاظي الضيقة ما أريد أخذه حتى أشعر يوم يقبل اليوم النهائي أنني خارج من الدنيا ممتلئ الأوعية (بأفلام) طويلة كاملة الإخراج؟
أنا في إرهاق دائم بمطالب العيش ومشاكل الناس وضرورات الأبدان. . . وإنما أنظر إلى ما أمام الستار وما وراءه، في فترات قصيرة كفترات الأحلام.
فما لي على إدراك هذا يدان ولا قدرة إلا أن يضاعف صاحب الحياة من قوى نفسي فيمدني بعيون كثيرة وآذان كثيرة (وعدسات) كثيرة.
من لي بمن يدمجني في كل شيء حتى أتحدث عنه كأنني هو متحدثاً عن نفسه؟!
فيا أيتها الدنيا البُعْدَى. . .! اكشفي لي القناع واهتكي أستارك لتلك العين الضيقة التي أرمدها السهر على بابك، وولهها الدنو من رحابك، حتى ما وراء الستار.
فإن مبلغ علمي بدنياي أن أولها: أنا. . . وثانيها الأرض. . . وثالثها: السماء. . ورابعها: