كان السائر في طرقات القرية يسترعي انتباهه ذلك الحديث الهامس بين الجالسين على المصاطب وبين السائرين في الطريق!!
ذلك الحديث الذي يدور حول طاهر أفندي. وما كان من عادة أهل القرية أن يتحدثوا عنه بذلك الاهتمام لولا ما حدث اليوم في منزله؛ ففي الصباح الباكر حضر لديه طباخ من المدينة القريبة وما زال منهمكاً في إعداد طعام خاص. . . وطاهر أفندي نفسه دائب الحركة في أنحاء الدار ينظم المقاعد هنا وهناك وصوته المتقطع المرتعش يرتفع كل حين آمراً أبناءه أن يعيدوا تنظيم ذلك المكان أو يغيروا ذاك المقعد حتى أضحى بيته وهو أوفر ما يكون أناقة ورواء. . . وها هو ذا العمدة وبعض الأعيان قد يمموا داره منذ حين!!. . . ماذا هناك ياترى؟ أتكونوليمة؟ كل المظاهر تنبئ على ذلك!
ولكن الشيء الذي يقف بين هذه الفكرة وعقول الناس، أو بعبارة أوضح الشيء الذي أثار تساؤل الناس وحيرتهم. . . هو أن طاهر أفندي شخصية معروفة بالبخل والكزازة! لقد كان الزائر الذي يظفر في بيته بكوب من الشاي أو وجبة من الطعام يعتبر محظوظاً فيكيف يقيم وليمة، وينفق فيها بسخاء؟ ولمن يا ترى تلك الوليمة؟ أتكون للعمدة؟ ولكن العمدة وطاهر أفندي يقيمان في القرية منذ عشرات السنين فلماذا لم يفكر في استضافته إلا اليوم فقط؟ وراء هذه الأسئلة كان يختبئ الصمت ليقطع حبل الحديث بين الجالسين على المصاطب وبين السائرين في الطريق!
والواقع أن الواجب لن نظفر به إلا من طاهر أفندي نفسه. لنذهب إذن إلى تلك الدار التي تموج بالحركة وتفيض بالناس هنالك في أقصى القرية!!
ولا مانع من أن أرسم صورة تقريبية لطاهر أفندي حتى يتسنى لك أن تتعرف عليه وسط المدعوين. إن قامته المتوسطة التي تميل إلى الأمام قليلاً، ونظارته العتيقة التي تجثم على عينيه تؤكد لك أنه لا بد يشغل إحدى الوظائف الكتابية. . . أما وجهه الذي ملأته التجاعيد حتى صار أشبه ما يكون بثوب لم يعرف يوماً طريق (الكواء) فيؤكد لك بدوره أنه ليس في