للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عمر الزهور. . . وأما بذلته التي تنافس طوابع البريد في القدم فإنها تقنعك بأن حديث الناس عن بخله ليس للإشاعات فيه نصيب!!

من السهل عليك إذن أن تتعرف عليه وسط الناس، ولكن ليس من السهل أن تتعرف على أفكاره التي تضطرب في خاطره تماماً كما يضطرب هو في أنحاء الدار. . .

إنه يرمق أنواع الطعام التي تعد، وأصناف الفاكهة التي تهيأ، فيشعر بانقباض حين يذكر تكاليف ذلك كله؛ ولكنه سرعان ما يسري عن نفسه حين يتذكر أن ضيفه هو مفتش المنطقة التي يعمل بها!

وتعود به الذكريات إلى ذلك اليوم الذي جلس فيه إلى أحد زملائه في العمل وجعل يشكو إليه على عادته بؤس الحياة وعنت الوظيفة وإهمال الحكومة. . . ويذكر جيداً أن زميله هتف به قائلاً: أنت رجل طيب لا تعرف الكثير عن أساليب العيش. تستطيع أن تجبر الحكومة على إنصافك حين تتودد إلى الرؤساء فتدعوهم إلى دارك وتقيم لهم الولائم وتظهر لهم. . .

ويذكر أيضا أنه لم يستسغ هذه الفكرة إلا بعد أن أكد له زميله أنها مجربة!

إن الذي يطمئن طاهر أفندي الآن هو أن أمواله التي ينفقها سخياً على هذه المأدبة ستعود إليه ذات يوم، وستكون بصحبة زميلات لها! أجل ستعود حين يرقى إلى الدرجة السادسة بمساعدة المفتش الكبير. . .

ويتنبه طاهر أفندي من أفكاره حين يقبل أكبر أبنائه ليتحدث إليه في بعض الشؤون بلهجة ظهر فيها الضيق والغيظ ولا يكاد ينصرف حتى ترتسم على شفتي طاهر أفندي بسمة ساخرة فيها كثير من الرثاء، الرثاء لأبنه الأحمق الذي لا يفهم الحياة كما يفهمها والده!

إنه يعرف جيداً سبب هذا الضيق الذي يبديه ولده في كلامه، ذلك أنه طلب إليه في مبدأ العام الدراسي أن يشتري له بذلة جديدة ولكنه أفهمه أن ذلك مما يرهق ميزانية الأسرة. لا شك أنه يتساءل الآن لماذا لا ترهق هذه الوليمة ميزانية الأسرة؟؟ ولكن غداً سيعرف هذا الغر الأبله أنه يفكر في دائرة أضيق من التي يفكر فيها أبوه. . . ثم أخذ يتمتم ماذا لو ترك الآباء أبناءهم يتصرفون بكامل حريتهم، فلا يفسدون عليهم أمورهم بآرائهم الفطيرة!

وبعد قليل ينظر طاهر أفندي في ساعته فيرى عقربيها يشيران إلى الثالثة بعد الظهر. لم

<<  <  ج:
ص:  >  >>