أعود إلى الكتابة تحت هذا العنوان استجابة لنداء الحياة ونداء النفس؛ فقد نادتني الحياة الإنسانية الراهنة الزاخرة إلى الإيمان به وبمستقبله برغم إثمه وشره في عصره هذا، وحملتني على ذلك بنبوتها ومعجزاتها. والحياة المدنية الحالية نبوة! نبوة شيوعية. . . أخذت جميع أمم الأرض بمعجزاتها وأخضعت أعناقهم بأدواتها المأخوذة من أسرار الطبيعة. فلنعرفها على حقيقتها. ولنعلم أنها باب الملكوت الذي وعدت به رسالات الشرق الأولى التي وجهت الإنسانية.
إنها نبوة الطبيعة وقوانينها، وحقائق الأشياء وبراهينها. . . لا نبوة الإرشاد والتربيب والكلام الذي ألقاه الرجال الآباء في سمع الإنسانية وهي في أدوار تكوين الضمير وتطبيع الأعصاب وتوجيه الأخلاق بالرحمة والإخلاص وسمو النظرة إلى الإنسان في حياته هنا وفي مصيره هناك. . . وهي صفات لا بد منها في المهود والمدارج. . .
فأن أنا لم أستجب لنداء هذا الحياة بالجسم الخفيف السريع، والفكر اللطيف اللماح الحاذق الفطن لأسرارها، الواعي لخطرها وقيمها، العارف باتجاهات قافلتها. . . كنت من المتخلفين البلداء الكافرين بنعمة الله! ولله في هذه الحياة المدنية الحالية نعم جليلة لا يكدرها إلا عنف وحماقة وطيش من بنيها.
وقد نادتني النفس التي حاولت جهدي أن أحفظ لها حدودها وطابع عالمها الخاص وألا أسمح بطغيان الجسد عليها طغيانا يجعلها تذهل عن ذاتها وتخلط بين معدنها الخاص والمعادن الأرضية إلى الإيمان بها كذلك، وحملتني على ذلك بما كشفته لي من آفاقها الخاصة التي لا دخل التعليل البيولوجي والفسيولوجي فيها.
وكنت حريا - وأنا أطلب الحق - أن أستمع للنداءين فأوفق بين نداء النفس ونداء الحياة، وأن أرى ضلال الذين عكفوا على الحياة المادية وحدها أو على النفس وحدها ولم يزاوجوا بينهما.
انتقال أسرار الطبيعة إلى الفكر - خليفة القهار - إدراك المادة ثم النفس ثم الله - لا عمق