في العالم المادي - الفكر مجال مؤقت ومجال منتظر - باب مفتوح وباب مغلق - مضى عهد مضغ الكلام - لا سدود أمام الإنسان - الطبيعة هي الحكم فيما يمكن وما يستحيل - تربية تعلم غزو الطبيعة - الطبيعة المطيعة - عصر الإحساس بقدرة الفكر - أسئلة يجب ترديدها دائماً.
ألقت الطبيعة أكثر صورها إلى فكر الإنسان، وانتقل إلى ذهنه جانب كبير من أسرارها وقوانينها، فصار يقلدها ويصنع من مواردها ما يشاء من ألوان التجسيم والتشكيل والتحريك، ويسلط بعضها على بعض، وصار له مقام معلوم ملحوظ بين عوامل التكوين والتخريب فيها. . .
وقد بنى أساس هذا التقليد على قواعدها الكلية، وبقى التنويع والتفريع الذي لا ينتهي في الجزئيات والأشكال.
وقد وصلت يده إلى منابعها ومواردها الأولية: فهو يبحث الآن في الذرّة والكهرب والأثير، لعرف المبادئ الأولى للمادة والقوة والدفعة الأولى التي ابتعثتهما ودفعتهما. . .
فماذا ينتظر الإنسان بعد فراغه من هذا التسلط؟ وما هي النتائج؟ أهي المغالبة والمنافسة والشهوة على الأساليب التقليدية الجاهلية؟ إن هذه نتائج لا تتلاءم مع عالم فكره العالي، ولا يصح أن تكون أهدافاً لهذه الصرامة والجد العظيم الذي تسير به الحياة وقوانينها في خدمته. . . وإن المغالبة والمنافسة والشهوة بأساليبها المعروفة الوضيعة، ينبغي أن تكون غير ذات خطر عنده، بعد أن عرف آفاقاً جديدة لشهوات رفيعة، وهي تحقيق أحلامه في الكشوف العلمية والانطلاق السريع بالطيران والسبح والسبق وإزالة الحواجز والسيطرة على القوى الآلية، وغير ذلك من طلائع مجده وملكوته المرتقب!
إن الله قاهر فوق الطبيعة، وهو يدرب (خليفته) في الأرض على التغلب على العقبات التي تعترض طريق أحلامه الطليقة وأفكاره المحررة من قيود المواد الثقيلة. والله أنشأه في الضرورات والآلام ليفتق هو الحيلة للخلاص منها، ويكمل وسائل السيطرة الذاتية على المادة؛ وإذا اطرد السير على منهاج تاريخه الذي عرفناه، فسوف يتغلب على كل شيء.
إن فكر الإنسان قانون ينمو ويتدرج غير واقف عند حد؛ وقوانين الطبيعة صارمة جامدة متحجرة. ونموه في ذاته يجعل الطبيعة نامية به. ألا ترى ما يستحدثه فيها من المعجبات