(البك الناظر) هي كلمة الإجلال التي يجري بها العرف على ألسنة الطلاب والموظفين والأساتذة في مدارسنا طول العام، وعلى ألسنة آباء التلاميذ وأولياء أمورهم في الأسبوع الأول من العام الدراسي فحسب. . .
وافتتحت المدارس أول الأسبوع الماضي وجلس البك الناظر في كل مدرسة على كرسيه المحترم أمام مكتبه الموقر وتأهب للقاء طالبي الأذن عليه وقد استجمع أكثر ما يطيق من الجد حتى لينقلب هذا الجد في كثير من الحالات عنفاً، وأقصى ما يستطيع من الحزم حتى ليستحيل هذا الحزم شططاً، ولا يسعك إلا أن تلتمس العذر لأكثرهم من فرط ما يتوسل المتوسلون ويلحف الملحفون. . .
ودخلت حجرة البك الناظر في مدرستنا وهو رجل طويل التجربة حازم عن أصالة تهز كريماً إذ تهزه، ولكنك على طيبة قلبه مهما بذلت من جهد ومهما اصطنعت من حيلة لا تستطيع أن تزحزحه قيد شعرة عن رأي اقتنع وبخاصة فيما يتصل بسلوك طلابه. . .
واستأذن والد أحد التلاميذ وهو موظف في أحد الدواوين وطرق الباب طرقة خفيفة ودخل يظهر التخشع والاحتشام وسلم وتلعثم ثم أخذ يتوسل إلى الناظر أن يقبل ابنه المفصول رحمة به؛ وقطع عليه الناظر حديث توسله بقوله: مثلت هذا الدور أول العام الماضي وقلت هذا الكلام وقبلت أبنك يومها على مضض فما كاد يدخل المدرسة حتى عاد إلى رذالته واستهتاره وطيشه، وكان هذا سبب رسوبه فكيف تعود إلى الرجاء، وكيف يتسنى لي أن أقبله؟
وقال الرجل: وما ذنبي وكيف تأخذني، بجريرة ابني؟ وتعجب البك الناظر وأوشك أن يغضب، ثم قال لم أفصلك ولكني فصلت ابنك، وما ذنب المدرسة وذنب أبناء الناس حتى أضع بينهم تلميذاً كهذا يفسد مدرسة وحده؟ وعاد الرجل إلى التوسل والتضرع والتخشع، واستنفذ عبارات الاسترحام من مثل قوله المسامح كريم. . . المعروف لن يضيع عند الله. . . اعمل معروف! وحياة أولادك. . . وهكذا حتى استحال الرجاء إلى نوع غريب من التنطع؛ وضاق صدر الناظر وضاق صدري؛ ولكني والله قد أخذتني الشفقة واحسبني لو