بين عشية وضحاها نزل صديقنا الأستاذ محمد توفيق دياب من قصر صاحبة الجلالة الصحافة، إلى سجن المجرمين من سلاب الأموال وقتلة الأنفس، لأنه رأى رأياً في سياسة هذا البلد عن إخلاص وعقيدة فلم يقره عليه القانون القائم، وحاولت صاحبة الجلالة أن تعصمه من أمر القضاء بالرحمة، ومن تنفيذ الحكم بالعفو، ومن قسوة التنفيذ بالرجاء، فما رجعت بطائل. وظهر أن جلالة الصحافة كجلالة الحسن: رواء في العين، ولا سلطان في اليدين!!
إنا نؤمن بعدالة القضاء كما نؤمن بحكمة القدر؛ ولكن في السجن الموحش المظلم فُرجة قد ادخرها القانون لضحايا العدل؛ فإذا لم تتسع لأمثال دياب فلمن تتسع؟ أن الكاتب الذي يحرق مخه وعصبه ليضيء الطريق لشعبه، ويغذي حيوية قومه بعصارة عقله وقلبه، ولا يبتغي من وراء جهاده غير مرضات وطنه وربه، لجدير باحتمال قسوته إذا قسا، واغتفار زلته إذا زل.
أن خطأ الاجتهاد في الرأي لا يعتبر جريمة الا في اصطلاح القانون الذي تسنه الحكومات له، فإذا ما اتسعت الصدور، أو تبدلت الأمور، عاد العمل بالقول المأثور: للمجتهد أجران إذا أصاب، وأجر إذا اخطأ. فإذا كانت جريمة الأستاذ دياب من النوع الذي يحرُم هنا ويحل هناك، ويوجب العقوبة اليوم ويقتضي المثوبة غداً، فأن شديدا على الضمير أن يعامل في سجنه معاملة الجناة والعصاة، فيعيش في غير شكله، ويشتغل في غير شغله، ثم يحرم لذة الجسم فلا يستريح، ومتعة الروح فلا يقرأ، وحق المريض فلا يعالج.
درس في الإحسان:
زار صاحبا الجلالة الإيطالية وادينا الحبيب فحلاّ في ربوعه حلول السعادة، ونزلا من أهله منزل الاجلال، وأفاضا على عاصمته وصعيده غمراً من سراوة الملك، ونبالة الخلق، ثم اختصا فقراء الإسكندرية بقرابة ألف جنيه على ما روى المقطم، فكان هذا العطف السامي موضعاً للتفسير والتأويل، ومثالا لاختلاف العقول في الاستنباط والتعليل، فمن قائل أن صاحب الجلالة أراد تعميم الإحسان في أجناس بني الإنسان، والإسكندرية شبه دولية، ومن