للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الإنتاج العقلي للأمم]

للدكتور جواد علي

كانت الفكرة السائدة حتى أوائل القرن الثاني عشر تقول بتطور البشرية تدريجياً من نقص إلى كمال، ومن جهل إلى علم. وقد اختلفوا في المبدأ، هل كان الإنسان في بدء خلقته كاملاً، ثم انتكس وتدهور لخطيئة وقع فيها، ثم بدأ يستغفر من ذنبه، ويكفر عن سيئاته، أو أنه بدأ كما نعرفه الآن، ثم هو آخذ في التطور إلى التكامل شيئاً فشيئاً، حتى يعود الإنسان الكامل ذا المثل العليا التي يريدها بعض الفلاسفة وأصحاب الأحلام البعيدة. غير أن تطور العلم الطبيعي، وانتصار أوربا في ساحات الفن والصناعات الضخمة والاستعمار، زلزل هذه الفكرة وولد في نفوس العلماء من أبناء تلك القارة، فكرة الاستئثار بالزعامة والقيادة العالمية. فقسمت الشعوب العالمية إلى طبقات وأجناس لكل منها خواص وأوصاف كما هو شأن عالم الحيوان والنبات. وإذا كان علماء النبات أو الحيوان يقسمون العالم النباتي أو الحيواني إلى فصائل وأجناس، فلم لا يقسم علماء الأجناس البشرية، البشر إلى فصائل وأجناس كذلك؟ تستأثر أوربا بالفصائل العالية والأوصاف الراقية؛ ثم تعطى ما تجود به للفصائل التي تمت إليها بصلة وقرابة، ثم الأبعد فالأبعد.

وبعض الآراء المعتدلة ترى العالم مؤلفاً من مجموعة حضارات مستقلة لكل منها روحية خاصة ونفسية سماها (نفسيات الحضارة كما هو رأي الفيلسوف تمر عليها جميع أدوار الحياة المعروفة من ولادة وطفولة وسباب ثم شيخوخة فممات، تستغرق هذه المدة حوالي ألف سنة، وأن ثلاث حضارات جاءت على التوالي تكمل الواحدة الأخرى وهي الحضارة اليونانية وسمتها والحضارة العربية وخاصيتها والحضارة الأوربية الجرمانية وهي بينما رأى الفيلسوف الألماني الآخر (كراف هرمان كيسرلنك مؤسس مدرسة الحكمة في مدينة دارمشتد) تنوع الحضارات البشرية كذلك واختلاقها ولكنها ترجع كلها إلى أصل واحد ومنبع منظم هو القوة الخارقة الموجودة في البشر التي تدفع الأمم بالسير إلى الأمام. قد تكون هي الحكمة لذلك كان يرى وجوب الاستفادة من الحكمة بدلاً من العلم المجرد

وقد نشأ من جراء البحث المتوالي في اختلاف عقليات الأمم وقابليات إنتاجها بحث خاص يسمى التعمق في دراسة أمم الأرض، واستخراج الأسباب التي أدت إلى ازدهار

<<  <  ج:
ص:  >  >>