كان لاستراوس عاشقتان، وكان لكل واحدة منهما اتجاه في الحب، وكان هو يحبهما معاً، وعلم الله أنه كان يود بكامل صدقه وإخلاصه، لو أنهما كانتا عاشقة واحدة، فقد كانت كل واحدة منهما تكمل أختها، ولم يكن يعيب إحداهما إلا أنها استقلت عن الأخرى بجسد وحدها. . .
ولكنها حكمة الله التي شاءت أن تتبعثرا اثنتين!
تزوجته منهما واحدة، وشالت عنه واحدة بعدما ظلت تحوم حوله زمناً لم تهمل فيه حيلة من حيل الإغراء التي تستولي بها النساء على الرجال، ولم تستر فيه حسنة من حسناتها، وقد كانت كلها حسنات مما يخلب الألباب، ولم تحجب فيه بريقاً تألقت به روحها، بل كانت تحرق فيه روحها لتتألق أمامه متفانية، لعلها تستهويه إذا احترقت ونورت، ولم تدع فيه قوة من قوى الأنوثة التي حبتها الطبيعة بأقواها وأشدها وأحكمها، إلا سلطتها عليه لتخذله بها. . . فما استطاعت أن تصل منه إلى شيء أكثر من أنه أحبها كما كان يحبها، وما كان هذا الذي تقصده، وإنما كانت تريد أن تأخذه أخذ النساء اللواتي تعرفهن للرجال الذين تعرفهم. فلما عجزت وسائلها عن تمكينها من غرضها يئست وأعلنت إفلاسها وهجرته، وقالت له وهي تودعه متعشقة في حنقها:(كنت أحسبك رجلاً). . . قالتها وهي تظن أنها سممته بها، وتركته ومضت. . . لو عرفت أن أشد النساء عداوة لها أوشكت أن تحب استراوس وأن تهيم به، لحذرتها منه رحمة وبراً بالأنوثة أن يذلها هذا الذي كانت تحسبه رجلاً. . . فتبينته غير رجل!
ولو علمت هذه الصغيرة أنها حين رأت استراوس في صورة غير صورة الرجل، رأت منه جوهر نفسه. . . إذن لما تركته ولا هجرته ما دامت تحبه، ولبدأت تعالج الحب على