كان إنشاء قناة السويس في أرض مصر نذير سوء لمصر، كما كان نذير الخير والرخاء لتجارة الغرب وصناعته؛ ولم تجن مصر من إنشاء القناة في أرضها سوى المتاعب الخالدة، وما زالت بسبب هذه القناة عرضة لفروض مؤلمة من الاستعباد الأجنبي، كما أنها ما تزال عرضة لعدوان الاستعمار ووثباته؛ وقد شعرت مصر مرة أخرى بما يمكن أن يجره عليها وجود هذه القناة في أرضها من ضروب الشر والأذى، في الآونة الحاضرة التي يوشك أن يضطرم فيها النضال بين دولتين من دول الاستعمار، هما إيطاليا المتوثبة السابحة في أحلام عظمتها الجديدة، وبريطانيا العظمى التي تسيطر فعلاً على قناة السويس وتدعي عليها لنفسها حقوقاً خاصة ما تزال مصر تنازع فيها
ولما كانت مصر ما تزال ترتبط بحكم الظروف في شؤونها ومصايرها الحيوية بتطورات السياسة الإنكليزية، فإنها تجد نفسها اليوم عرضة لأخطار هذه الحرب الاستعمارية التي تصر إيطاليا على إضرامها في شرق أفريقية؛ وإذا كانت إنكلترا تلمح شبح الخطر من جراء هذه الفورة الفاشستية على إمبراطوريتها الاستعمارية، وعلى سيادتها في البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، وتزمع على ما يبدو أن تقاوم هذا الخطر، وأن تسحق المطامع الإيطالية إذا اقتضى الأمر بقوة النار والسيف، فان مصر تجد نفسها من جراء ارتباطها بإنكلترا، ومن جراء موقعها الجغرافي وحراستها الاسمية لقناة السويس في أحرج مركز وأدقه. ماذا يكون موقف مصر إذا أصرت إيطاليا على مشروعها الاستعماري وأعلنت الحرب على الحبشة، وماذا يكون مصير قناة السويس طريق إيطاليا الوحيد إلى ميدان القتال؟ بل ماذا يكون موقف مصر إذا تفاقم الأمر، ونشبت الحرب بين إنكلترا وإيطاليا، ومصر تجاور إيطاليا من جهة الغرب، وثغورها لا تبتعد أكثر من سبعين ساعة عن مراكز الأسطول الإيطالي؟ هذه فروض خطيرة مزعجة، ولكنها أضحت تلوح في الجو قوية تكاد تنقض صواعقها بين آونة وأخرى؛ ومن ثم كانت موضع الاهتمام من جانب السياسة الإنكليزية ومن جانب ولاة الأمر في مصر