وأول ما يشغل مصر في الآونة الحاضرة مسألة قناة السويس، ومدى ما يمكن أن يكون لمصر، سواء بمفردها أو بالاتحاد مع إنكلترا من حق في إغلاقها وقت نشوب الحرب الأفريقية، وهذا بفرض أن الحرب لم تتعد طرفي النزاع الأصليين: أعني إيطاليا والحبشة؛ ففي هذه الحالة تعتبر مصر من الوجهة الدولية في حالة حياد بالنسبة للدولتين، ولكنها لن تكون كذلك في الواقع لأن قناة السويس تغدو في هذه الحالة طريقاً حربياً لإيطاليا، وفتحها في وجه السفن والقوات الإيطالية لا يمكن أن يحقق معنى الحيدة، بل يكون وسيلة لمعاونة إيطاليا على افتراس الحبشة التي ترتبط مصر بها بروابط تاريخية ودينية وثيقة، ولمصر كما لإنكلترا مصلحة حيوية في ألا تقع منطقة تانا والنيل الأزرق في يد دولة قوية كإيطاليا يكون وجودها في تلك المنطقة خطراً على ماء النيل
وقد قيل لنا أخيراً إن فقهاء الدولة المصرية بحثوا مسألة قناة السويس ومدى ما لمصر من حق في إغلاقها إذا اقتضت الضرورات الدولية، وقيل لنا انهم انتهوا إلى تقرير حق مصر في إغلاقها في وجه الفريقين المتحاربين إذا نشبت حرب إيطالية حبشية. ونحن ممن يأخذون بحق مصر في إغلاق القناة سواء من الوجهة الدولية أو الوجهة الواقعية كما سنفصل بعد، ولكن الذي لفت نظرنا في مباحث فقهاء الدولة المصرية هو أنهم انتهوا إلى تقرير حق مصر في إغلاق القناة من طريق لا نعتقد أنه خير الطرق ولا خير الأسانيد لتدعيم هذا الحق. ذلك أنهم استندوا على ما قيل لنا في تقريره إلى ميثاق تحريم الحرب الأمريكي أو ميثاق كلوج الذي عقد في باريس في أغسطس سنة ١٩٢٨ وانضمت مصر إليه إلى جانب الدول الموقعة عليه. وميثاق تحريم الحرب كما نذكر، ينص على استنكار الدول الموقعة للحرب كأداة للسياسة القومية، وعلى تعهدها ألا تلجأ لحل المنازعات الدولية مهما كانت أنواعها وأسبابها إلا للوسائل السلمية. وقد وقع ميثاق تحريم الحرب في باريس في ٢٧ أغسطس سنة ١٩٢٨، وفي ٤ سبتمبر التالي أبلغت مصر حكومة الولايات المتحدة الأمريكية بأنها تقرر انضمامها للميثاق بصيغته الأصلية دون التسليم بأي تحفظ أبدي بشأنه، والمقصود بالتحفظات هنا ما أبدته بعض الدول الاستعمارية مثل بريطانيا من الاحتفاظ في ردودها بحقوق وتحفظات معينة في تسوية علائقها مع الدول التي تعتبرها واقعة تحت سيطرتها أو نفوذها