للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الضمير الفردي والضمير الاجتماعي]

للأستاذ جريس القسوس

إذا جاز لنا العبث بعلوم الاجتماع والنفس والأخلاق استطعنا أن نقسم الضمير إلى نوعين: (ضمير فردي وضمير اجتماعي)؛ ولا يتضح معنى ذلك إلا بكلمة سابقة في تعريف الفضيلة والرذيلة اللتين هما قسطاسا الضمير، بل مقررْتا وجوده. إذ كيف يجوز أن يقال بأن لزيد ضميراً حياً أو ضميراً ميتاً إذا لم يربط ذلك الضمير بفضائل أو برذائل؟.

لكل فئة أو جماعة أو طائفة من البشر قواعد وأنظمة وعادات جرت عليها وتمشت بموجبها عهوداً طويلة، لا تحيد عنها قيد شعرة إلا بقوة جبارة عاتية تفوق قوة تلك الطائفة؛ فإذا حادت جرت على الأنظمة الجديدة وتمسكت بها تمسك المستميت، ودعمتها ودافعت عنها دفاعها عن النظم التي تحولت عنها في بدء الأمر تحت تأثير القوة، كغاندي مثلاً، يحاول جهده أن يزحزح الطائفة الهندوسية عما جرت عليه من شعور سيء نحو جماعة الأنجاس. وسبب تمسك أي طائفة بنوع خاص من التقليد أو العرف والعادة، هو إدراكها بالتجربة والاختبار أن هذا النوع - دون غيره - يفيض على أكثرية مجموع أعضائها أجزل النعم وأتم البركات. . . نعمة وبركة يشترك فيها الفرد والجماعة معاً، إلا في حالات نادرة خاصة، حيث تنتفع الجماعة من أمر لا ينتفع منه الفرد إن لم يكن يخسر.

هذه التقاليد والعادات التي اختارتها الجماعة وأدركت نظرياً وعملياً أنها نافعة للأكثرية الساحقة من مجموع أفرادها نفعاً يغشى على أبصار أعضائها، لا أفرادها، فلا يرون فيها ضراً ولا شراً بل نفعاً وخيراً هي الفضيلة. أقول: أعضاؤها لا أفرادها، لأن العضو يفكر ويقوم في كثير من الأحيان بأمور لا تستند إلى العقل والمنطق تحت تأثير الجماعة التي لا تختلف في عقليتها الاجتماعية عن عقلية الطفل. ويتجلى ذلك في تصوير شكسبير للرعاع في يوليوس قيصر؛ فهم ينساقون ويندفعون كالصبيان اندفاعين متناقضين تارة تحت تأثير السحر البياني الذي يتدفق من لسان بروتس، وتارة مأخوذين ببيان أنطونيوس وعباراته العاطفية الشديدة. لكن الفرد يستقل في عقليته في كثير من الأحيان، فيقوم بأمور لا غبار عليها من حيث منطقها واستنادها إلى العقل.

أما خروج الجماعة عن القواعد والأحكام فهو الرذيلة والإثم، وعاقبته العذاب الأليم في

<<  <  ج:
ص:  >  >>