احتفلت الدنيا بمرور مائتي عام على مولدك، ومنذ أعوام قلائل احتفلت بمرور مائة عام على رحيلك عنها. . . فهل رحلت حقاً وانتهت حياتك يوم غيبوك في التراب كما يرحل عشرات الألوف من أبناء الفناء كل يوم، أولئك الذين يغدون إلى هذا العالم ويتنفسون هواءه حقبة من الزمن ثم يرحلون عنه دون أن يكون لحياتهم هدف أو معنى أو مبررات، أولئك الذين ينسون أنفسهم في حياتهم فتنساهم الدنيا ويموتون قبل أن تفارق الروح منهم الجيد. . . هل مت حقاً مثلهم؟
لا، إنك لست منهم، إن الدنيا ستظل تعتز بك وتتمسك بوجودك وتصر على بقائك في الأحياء، لأنك من بين أبنائها القلائل الذين تفخر بهم وتحس في وجودهم كبرياءها وعظمتها ونفاستها. إننا - ومن بعدنا الأجيال - نحبك ونجلك، ونحن نحبك لنفسك ولكننا نحبك أكثر من أجل معجزة الإله فيك، فكم من أبواب الحياة ظل مغلقاً، وكم من طرقاتها ظل مظلماً مجهولا حتى أتيت أنت فإذا بيدك المباركة تفتح الأبواب الموحدة، وإذا بنور عبقريتك يبدد الظلام، وإذا بالحياة متسعة الرحاب بعيدة الآفاق. لقد كانت الحياة بدونك فرضاً أو عبثاً أو واجباً فإذا هي بك فرحة ونضرة وتحمس لغاية وغايات.
لقد علمتنا أن نضع أنفسنا فوق الصغائر: فوق الحقد والحسد والغيرة والعناد وأن تطهر قلوبنا ونفسح فيها المجال لتلقي رسالات الخير والحق والجمال. أجل، في صحبتك يخجل الإنسان من الصغائر والصغار ويتطلع إلى الأعالي، ينقي نفسه من أدرانها ويصلي لله بحرارة أن يهبه القدرة على السمو بحياته وتنمية مواهبه الخفية واستغلال قواه الكامنة حتى يصبح جديراً بصحبتك وبإنسانيتك الكاملة الناضجة.
إنك تستنهض ذاتنا العليا - وما ذاتنا العليا إلا روح الله في هيكلنا البشري، وتخلق لنا أجنحة نحلق بها فوق هذه الحياة، فما نلبث أن نخجل من ذاتنا الصغرى ومن تصرفاتنا الأرضية وتفاهاتنا وحماقاتنا التي، تمليها علينا في هذه الأرضالشقية ما نسميه بالحكمة العملية، أو يفرضها علينا ضعفنا البشري.
أيها الحبيب. إن النور الذي تشعه عظمتك يهدينا إليك ويقربنا منك ويملأ قلوبنا فرحة بك