عرفت الدكتور زكي مبارك بالسماع به والقراءة له في بادئ الأمر، فقد كان له جيل من القراء والمعجبين، كما كان له حلقة من المنافسين المحنقين.
فلما رأيته. . وجدته رجلا متقشفا أشد ما يكون التقشف، فوقعت في حيرة شديدة، لأني عرفته غير هذا في كتابه (النثر الفني) الذي كنت سأشترك في تقريظه بعد أيام قلائل، وحدث أن اجتمعنا في الندوة، وتجلت شخصية زكي مبارك، وفاض علمه واطلاعه في الردود المفحمة التي واجه بها كل ما دار حول كتابه وكسب المعركة. ولا غرابة في ذلك فهو ابن الأزهر المجتهد المستوعب، وابن الجامعات المصرية والفرنسية، وابن جامعة الحياة العملية والصحافة. رجل نابه من الريف ينزح إلى القاهرة للتعلم، لم يتملق عظيما ولم يستجد ثريا لينجح في دراساته أو لينال رزقه. . . إنما هو رجل نجح نجاحا عزيزا مشرفا؛ فإذا لم يكن في حياة الدكاترة زكي مبارك إلا هذا، وإلا أنه شق طريقه بالنحت بأبرة في صخور الحياة الصلدة لكفاه فخرا وخلودا فكيف بنا وزكي مبارك له فلسفة، ولقلمه مدرسة، ولنفسه طموح وجموح وثورة؟! أودع كثيرا من كله مؤلفاته العديدة، ومقالاته العتيدة.
في ذمة الله الكريم فتوة ... سكنت ولما تنته النهضات
في ذمة الله الرحيم فتية ... شبل ينعم درسه وفتاة
في ذمة الله العزيز فقيدنا ... وعليه من رب العلا الرحمات
يا آله لا تجزعوا إن الذي ... في الخلد ذكراه إليه حياة
أيها السادة والسيدات:
أهدي إلى المبارك مجلدات (ليلى المريضة في العراق) ومما رأيته على غلاف الجزء الأول منها لعلي الجازم بك ما يأتي: - (لقد ابتكر زكي مبارك فنا جديدا حين نقل الغزل والتشبيب من الشعر إلى النثر) وهذه شهادة من أديب لا يستهان بها.
وكنت أتمنى لو أن زكي مبارك لم يسرف في هذا، فإن العبقرية الجامحة يجب أن تنظم