خطوتان في سبيل النهضة: هما مجانية التعليم ومشروع الضمان الاجتماعي. أما الأولى فقد أصبحت حقيقة ناصعة وأما الثانية فقد أوشكت أن تكون. . وليس من شك في أن الخطوتين تقيمان صرح نهضة علمية واجتماعية تتطلع إليهما البلاد منذ أمد بعيد!
ومن التوافق العجيب أن تجيء الخطوتان متقاربتان لتكمل إحداهما الأخرى إذا ما حالت الحوائل بينها وبين بلوغ الكمال فمن الأشياء التي لا تقبل الجدل أن الفقير قد أعفى من عبء مرهق كان يثقل كاهله في مراحل التعليم، ونعني به المصروفات المدرسية التي كان يطلب إليه أن يقدمها فيعجز عن تقديمها في كثير من الأحيان. هذه حقيقة. . وحقيقة أخرى لا تقبل الجدل في هذا المقام، وهي أن أبواب المدارس قد تخلصت من تلك الأقفال الحديدية البغيضة التي كانت تصد عن العلم فريقا من الناس دون فريق. ومع ذلك فإن هناك أصواتا معارضة تقول لك: إننا نعترف بهاتين الحقيقتين ولكن. . ولكن هذه المجانية المطلقة لا تهيئ العلم لكل جاهل ولا تيسر مناهله لكل فقير، لأن المصروفات المدرسية لم تكن هي العقبة الوحيدة التي تعترض طريق الراغبين في العلم والساعين إليه. ماذا يفعل هؤلاء المعدمون في ربوع الريف حين يريدون لأبنائهم أن يستضيئوا بنور المعرفة، وهم لا يملكون ما تطالبهم به المدن من نفقات المأكل والملبس والمسكن لهؤلاء الأبناء؟!
ناحية من نواحي النقص بلا جدال. . ولكن وزارة المعارف ليست مسئولة عنها لأنها قامت بكل ما عليها من واجبات، وإنما المسئول عنها في تقدير الواجب الوطني هي وزارة الشئون الاجتماعية. ماذا نريد من وزارة الشئون أن تقدم عليه لتعين وزارة المعارف على جعل التعليم منحة طبيعية بأكثر حي، مثله في ذلك مثل الماء والهواء؟ نريد منها أن تعيد النظر في مشروع الضمان الاجتماعي. . إن هذا المشروع كما عرض علينا عن طريق الصحف والاذاعة، قد وضع ليحقق للعاجزين عن الكسب حياة كريمة تقيهم شر الحاجة التي تدفع بهم حينا إلى ذل السؤال، وتدفع بهم أحيانا إلى طريق الجريمة لتخلق منهم لصوصا ومعتدين. نعني أنها ستخصص لهم لونا من المساعدات المادية التي يمكن أن ترد عنهم غائلة الجوع وتدفع مرارة الحرمان، نعني مرة أخرى أنهم سيجدون ما ينفقون. . كل هذا جميل، وإنه لمفخرة من مفاخر الوعي القومي والاجتماعي والإنساني في هذه البلاد. ولكن أين مشروع الضمان الاجتماعي من هؤلاء الذين يجيدون ما ينفقون، ثم لا يجدون في