إني أتجنب دائماً رؤية خروف العيد حياً قبل العيد، وأتحاشى أن أدنو منه أو ألاطفه أو أعقد بيني وبينه أواصر صحبه أو مودة، خشية أن تمضي ساعات فإذا هو أمامي مشوياً في طبق، ينظر أليّ بعينين يسيل منهما الدهن والزبد، نظرات كلها ازدراء لما تكشف له من خلقنا الإنساني المنطوي على الخيانة والغدر! إني أتخيل دائماً معاني هذه النظرات الهادئة العميقة التي تنبعث من عيون هذه الحيوانات الوادعة الأليفة. إنها لأبلغ في إنسانيتها أحياناً من بعض نظراتنا الآدمية التي يشع منها بريق جشع حيواني ونهم مفترس قد لا تعرفه غير الضواري والكواسر!
إني لأتخيل الحديث الذي يمكن أن يدور بيني وبين هذا الخروف لو أنه منح القدرة على الكلام:
- لماذا صنعتم بي هذا؟
- لمجدك الأدبي
- مجدي الأدبي! هذا الذبح والسلخ والحرق مرة في كل عام على مدى الدهور والأيام!
- نعم، هو مجدك الذي ينبغي أن تتيه به وتفخر وتزهى على غيرك من الحيوان! إن دمك يراق من أجل فكرة، وحياتك تضحي في سبيل عقيدة!
- آه للإنسان ما أبرعه في إلباس صغير الفعال رائع الثياب!
- نعم، هنا مفتاح سمونا وسر عظمتنا!
- هنا الفرق بيننا وبينكم
- نعم، كل الفرق
- أن الغرائز السفلى ما زالت هي الناموس الأعظم لنا ولكم. ولم تستطيعوا مع قدرتكم وقوتكم أن تخرجوا عن نطاقاها قيد أنملة. . .
- ولن نخرج
- إنما كل عملكم أن تضعوا على حقائقها العارية رداء، كما وضعتم على أجسامكم العارية لباساً. نحن العارون جسداً وروحاً، وأنتم الكاسون جسداً وروحاً. أما بعد ذلك فلا اختلاف بيننا وبينكم.