هذا الكتاب القيم مرآة تعكس كثيراً من الظواهر الاجتماعية والخلقية والنفسية لبيئتنا الراهنة. وما يتراءى في مجالنا الاجتماعي والنفسي بقلم الأديب ذي السليقة الفنية، ومنطق العالم صاحب النزعة العلمية، نشعر بالروح العلمية في ذلك الحرص على استخلاص النتائج الاجتماعية والخلقية والنفسية التي تتضمنها الصور. فالفن الذي تضفيه الذاتية الوجدانية لا يستأثر بالمجال بل تساهم فيه روح الموضوعية العلمية في استخلاص الأهداف والكشف عن الدلالات الفلسفية والعلمية. تستطيع أن تستجلي هذه الألوان في كل ما عالجه هذا الكتاب من جوانب، ففي عرضه لظاهرة كظاهرة انتحار في موضوع - ليته درى - يكشف لك عن المشاكل الاجتماعية والنفسية التي يعرض لها المنتحر اسرته، والعقد النفسية التي تهد كيانهم الروحي، وتحطم وجودهم الاجتماعي. فأي مرارة صبها ذلك الرجل المنتحر في كأس حياة زوجته وأولاده، ليته درى؟ أنه ورث أولاده فيما ورث الكفر بالحياة والريبة في أمر أنفسهم. وجنى على زوجته فضاعف أساها وسلبها حتى برد عزاء المعزين. وحال بينها وبي السلوان - فالمرأة المرزوءة في زوجها على الطبيعة، تلقى من الناس فلا تخشى شيئاً. والناس لا يخشون أن يطيلوا لها في الرثاء ويسهبوا، أما المرزوءة في زوجها انتحاراً فتلقى الناس فتخشاهم وتخشى سؤالهم والإكثار، وهم من جانبهم يخشون الحرج فتكون تعزيتهم اقتضاباً وكثيراً ما يكون كلامهم صمتاً. . . وجلست المرزوءة تستعيد ذلك الشريط الذي يحمل ألوان ماضيهم فلا تجد بعد الذي حدث صفاء، ولا تجد لها طعماً. وتلك النكات، وتلك الضحكات، ومظاهر الحب والعطف والفرح في العيش معا لما ستر، والحزن معا لما ساء، كلها ربطت بين الزوج والزوجة روابط لم يعبأ بها الزوج عندما أراد أن يقطعها. . وتسأل الله في أحلامها: لو اتصلت الخيوط والتحمت الشرايين! فيقول الله: ليس على هذه الأرض وصل بعد فصل، ولا التحام بعد قطع. . . ويوقع أولاده في أزمات نفسية عنيفة مستعصية. فإذا تحدث صديقات البنت عن آبائهن فتسكت فلا تطارح الصديقات المتدفقات حديثاً بحديث. ويتحدث أصدقاء الولد عن آبائهم فيسمع الولد