لقد قضيت عمري تائهاً في صحراء الحياة، أرى العواصف الهوجاء تهب حولي حتى تكاد تطمرني فأسير وأنا واقف في أرضي، وأرنو إلى الأفق البعيد أنشد فيه خيال واحة أستظل بظلالها وأرتوي بمياهها، فإذا بالأمل قد خاب، وإذا بالسراب قد تلاشى وانكشف عن فقار تمتد إلى اللانهاية لا أدري إلى أين المصير
وقد قضيت عمري غريقاً في بحر الحياة اللجب، تقاذفتني أمواجه الملتجة حتى كادت، تغرقني فكنت لا أتقدم خطوة نحو شاطئ النجاة إلا أبعدتني عنه خطوات؛ وكانت الأمواج ترفعني تارة فيخيل إلي أني قد بلغت مثلي الأسمى؛ ثم تسخر بي وتضحك ملء شدقيها وتفتح فاها المخيف وتجذبني إلى أعماق جوفها وكأنها تريد ابتلاعي، فأشعر أن قد دنا أجلي وأصيح وأستغيث ولكن لا ملبي لندائي ولا مغيث
وقد قضيت عمري هائماً في ليل الحياة المظلم وقد خيم سواده على كل مخلوق فحجب عني الحقيقة، وضللت الطريق ورحت أخترق حجب الظلام ببصري عله يقع على قبس من نور ولو ضئيلاً أهتدي به. ولكن الجهد كاد يفقد عيني بصرها فسرت وأنا كالأعمى أتخبط في دياجير الظلام بلا هدف ولا أمل
وقد صعدت قمة الهرم الكبير، وأجلت الطرف حولي، ثم انحدرت إلى الوادي السعيد فلم أعثر على منقذي، بل عثرت على نفوس فقيرة حقيرة أضعفتها الجيوب المنتفخة، وضربت حولها أسواراً من الذهب الوهاج، وأقامت لها داخل هذه الأسوار عروشاً من الماس فاستوت عليها قانعة شاكرة، وعثرت إلى جانب هذه النفوس الفقيرة الحقيرة على نفوس غنية كبيرة قد نمتها يد البؤس والشقاء حصرتها في أسوار من الإملاق، فلما عجزت من تحطيمها أو اجتيازها خضعت للأمر الواقع واستسلمت للأوهام تستمد منها حرية تستعيض بها عن حرية الحقيقة. فيئست من النفوس الفقيرة وبكيت على النفوس الغنية وغادرت الوادي السعيد وهرمه العظيم بقلب مفجوع وأمل خائب
وقد تبعت طريق بني إسرائيل لما خرجوا من مصر فقطعت صحراء التيه ثم وقفت على جبل الطور وتوجهت بناظري إلى الشرق فنفذ بي من أعماق الغور الأعظم إلى أفق أسود