الشعب غير أن يثور؟ وماذا يسعه، وقد ثار، إلا أن يستبسل ويستميت؟ إنه موت بموت، فالموت مع الشرف وبعد الدفاع الكريم إلى الرمق الأخير، أولى من الموت جوعاً في جبال عارية لا ماء فيها ولا شجر، هي التي يراد طرد العرب إليها لإنشاء الدولة الصهيونية
يضاف إلى هذا أن الغدر الفظيع الذي تنطوي عليه هذه السياسة، بشعب كان من أقوى الأعوان لبريطانيا في الحرب العظمى، وأخلصهم لها، يضاعف عزم الثوار، ويجعلهم أقوى وأجرأ
ومن الجلي أن سياسة الوطن القومي على حساب العرب قد أخفقت، وأن إنشاء دولة صهيونية في فلسطين قد أرتد إلى عالم الخيال الذي لا محل له في عالم الحقائق. ومن الواضح الآن أن على بريطانيا إذا أرادت إمضاء العزم على تقسيم البلاد وإقامة دولة للصهيونية فيها، أن تجيش الجيوش وتسير الأساطيل لتفتح فلسطين عنوة، فما يكفي كل مالها هناك الآن من قوة وعتاد. وأوضح من ذلك كله وأجلى حقيقتان أخريان، فأما الأولى فتلك أن ثورة فلسطين - وهي أعدل ثورة قامت في الدنيا وأروع ما شهد العالم من مثيلاتها - قد جمعت قلوب العرب في الأقطار جميعاً وألفت بينها، فهم الآن أمة واحدة وإن كانت دولهم كثرا، وعلى بريطانيا أن تختار صداقة هذه الأمة أو عداوتها، وعليها أن تقيس قدرة العرب جميعاً إلى قدرة فلسطين وحدها ونعتقد أنها تؤثر صداقة العرب ولا تجازف بعداوتهم ولا سيما أنه ليس لها باعث من مصالحها الخاصة الحيوية على اختيار خطة العداء. والعرب يقولون الآن لبريطانيا كما قال أبن الرومي
أمامك فأنظر، أي نهجيك تنهج ... طريقان شتى، مستقيم، وأعوج
والمستقيم أولى، وهو الذي سيكون إذا كان علمنا بالإنجليز ليس كله خطأ.
والحقيقة الأخرى أن بريطانيا لا تخدم اليهود بهذه السياسة، وإنما تثير عليهم نقمة العالم العربي والعالم والإسلامي، وهم أمة لا ينقصها أن يزيد كارهوها. ونحسب أن اليهود قد بدءوا يدركون هذا، ويفطنون إلى أن السياسة الصهيونية تورثهم عداء هم في أشد الغنى عنه.