للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ويجب أن نذكر أن العرب كانوا حلفاء لبريطانيا وزميلاتها في الحرب العظمى، وقد خرجوا على دولة الخلافة يومئذ، وهي دولتهم، وأكثرهم مسلمون، بل كان الثائرون على السلطة العثمانية، الملتحقون بجيش الثورة العربية، من المسلمين.

فعلوا ذلك لأنهم طلبوا الحرية، ونزعوا إلى الاستقلال. وقد عرفت بريطانيا هذا، ورضيت به، وشجعتهم عليه، ووعدتهم بتحقيقه؛ ولو كانوا يعلمون أنهم سيصيبهم ما أصابهم لما ثاروا، إذ لا خير ولا معنى لاستبدال نير بنير

وهذا الجيش العربي هو الذي أعان على فتح فلسطين وسورية، وسلخ البلاد العربية كلها من السلطة العثمانية. وكان جيش بريطانيا يدخل بلداً بعد بلد، فيجد الأمور ممهدة، ويقابل بالترحيب والحفاوة، لأنه حليف العرب. فماذا كان جزاء العرب؟

مزقت بلادهم كل ممزق، وأخلفت الوعود كلها، فلم ينجز الحلفاء للعرب منا واحداً. وما استقلت العراق إلا بثورة، ولا عقدت المحالفة السورية إلا بثورة بل ثورات، ومع ذلك لا تزال معلقة لا يعرف مآلها أحد. أما فلسطين فكان خطبها أدهى، فما أكتف بريطانيا بالأنتداب، بل رمتها بشعب غريب فتحت له الثغور وقالت له أدخل، واستول على البلاد، وأقم لك فيها دولة، واتخذ منها وطناً. وما كانت البلاد بغير أهل حتى تفعل بريطانيا ذلك، ولا هي بالأرض الواسعة الرقعة، العظيمة الخصب، حتى تتحمل هذا السيل من المهاجرين إليها. وإن اليهود لمضطهدون في أنحاء شتى من الأرض، ولكن ما ذنب فلسطين؟ ومن تهكم الحوادث وسخر الأقدار أن ترمي بالهجرة اليهودية والوطن القومي الصهيوني البلاد العربية التي نعم اليهود في ظل دولتها بالعدل والعطف والحرية كما لم ينعموا في ظل دولة أخرى، فقد كنوا في الأمم الأخرى مضطهدين محقرين، وكان البريطانيون أنفسهم في القرون الوسطى يعدونهم أنجاساً منبوذين. ونحسب أن اليهود يقرءون روايات وولتر سكوت!.

فإذا كان الشعب الفلسطيني قد ثار، فله العذر؛ وإذا كان على قلة عدده وانقطاع المدد عنه، قد راع الدنيا بثورته الجليلة فلا عجب، فأنه يدافع عن حقله وبيته بأدق المعاني العرفية للفظ الدفاع عن الحوزة، فإن بيته ينسف بالديناميت فيتشرد هو وأبناؤه ونسائه في الجبال الجرداء، والسهول الخصبة التي يملكها تقتطع وتوهب للدولة الصهيونية، فماذا يصنع هذا

<<  <  ج:
ص:  >  >>