(ابنة تناجي أباها بمناسبة مرور العام الثاني على وفاته)
للسيدة وداد صادق عنبر
في ظلام ذلك الليل الدامس، وفي صدى سكونه المهيب، جلست مطرقة أفكر فيك وكل فكري دمع، وأبكيك وكل دمعي فكر، فريسة ذكراك، وقد طال حتى حسبت أن ليس له صباح. فيا لطول الليل على حزن الثكلى! ويا لحزن الثكلى من طول الليل!
جلست لمناجاتك فدعوتك أبتاه!. . .
وأجبتني كعهدي بك في الدنيا حاضر الابتسامة حين تخصني بالحديث في كثير من أوقاتك، ترفرف علينا أثناءها العناية الإلهية وقد عادت حدب أبوة وبرَّ بنوة. فوا أسفاه على تلك النعمة السابغة الذيل التي ما تمتعت بها طويلاً حتى بكيت متفجعة على فقدها ورزئت بسلبها، ولولا إيماني بسالبها القدير لأكبرت على القدر أن يفجعني فيك
أجل. لولا إيماني لأكبرت عليه أن يفجعني فيك وقد كنت سكناً لقلبك كما كان قلبي سكناً لك. فيا لذاك البث الذي خيم على قلبي ونفسي معاً، والذي لم أجد لهما منه مخرجاً سوى وقوفي أمام قبرك العزيز، فقد أجد فيه بعضاً من سلواهما وبردهما، فأنفح جوه هتافاً باسمك ولثماً لرسمك، وأنفث عن حسرة مما يقدح الأسى على كبدك حين تحس أي جرح هذا الذي فتحه القدر في قلبي فهو لا يبرأ ولا يلتئم، وأي جمهرة من الآلام تركتها فجيعتي فيك في أطواء نفسي، وكل ألم منها في وقعه مني فن من العذاب أستعذب مذاقه ولا أرجو فراقه. وأي كتيبة من الأحزان تحمل علي في عزلتي وأيسرها يسحق النفس وبذورها، ويمحق الحياة ويمحوها. وأي ثورة في نفسي لا تسكن أبداً ولا تهدأ، ومناحة لا تنفض فهي في كل ساعة تبدأ، وأي ضغط ينعصر تحته قلبي الواهن المستطار فيظل على حاله واهناً مستطاراً، وأي همّ وغمّ أخذت به عن نفسي فأصبحت في شبه سكرة أو غمرة. . .
يا حر قلبي عليك من حر قلبك عليَّ! كنت في حياتك تحرص كل الحرص على ألا يسكب دمع من عيني لعارضة تحدث أو نازلة تكون، لأنك أحببتني حباً ضربته الأبوة أعلى مثل، بيد أنه أصبح مثلاً يتيماً من أنه ينظر إليه ولا يقاس عليه
على أن العهد بالحزن أن يرثّ على الزمن أو يبلى في القلب الحزين. وإني لأعيذ قلبي أن