لعلنا لم نفاجئ أحداً بتلك الصورة الشاحبة التي حاولنا أن نرسم بها خطوطاً سريعة لقلب رامي. . . ذلك القلب الذي كان الناس يحسبونه خلق للفرح والمرح والغناء، والليالي الساهرة الطروب. فإذا هم يرونه قلباً ينضج بالآلام، ويفيض بالمآسي، التي استحالت في فم الشاعر شدواً حزيناً باكياً، وغناءً رقيقاً رفيقاً موجعاً. وإذا هم يرونه قلباً عالمياً يخفق بآمال الإنسانية وآلامها. يكلم الناي ويناجي البدر، ويتوجع للقيط، ويخاطب الطير، ويرثي للجمال الراحل، ويرق للغريب، ويندب حظ الهزار السجين، وينتفض لليتيم، ويفي للحبيب، ويأسى للزهرة الذابلة، ويخفق بجناح الرحمة فوق قبر الجندي المجهول
ونحن لا نعتذر عن هذه الصورة الشاحبة ما دامت هي الصورة الحقيقية لقلب رامي، وما دامت هي النبع الصافي الذي شاعت موسيقا خريره في أغانيه. في تلك السنين العشرين التي ظل رامي طوالها أسطع شاعر من شعراء الغناء في مصر، بل في العالم العربي كله
لم يطبع رامي من شعره الكثير الزاخر غير هذه الدواوين الثلاثة التي يجمع أولها شعره بين سنتي ١٩١٦ و١٩١٧، وثانيها شعره بين سنتي ١٩١٨ و١٩٢٠، وثالثها شعره بين سنتي ١٩٢١ و١٩٢٥. كما نشرت له سنة ١٩٤٢ مجموعة من شعره لأغانيه. ويختلف الجزء الثالث عن الجزء الأول والثاني اختلافاً شديداً بيناً؛ إذ نرى الشاعر في أول الديوان يشكو عزوفاً عن قول الشعر. ونراه يحن إلى جنته الأولى التي طالما خفق فيها بجناحيه. وحلق فوق أفنانها يغازل الحور ويعب من الخمرة الإلهية. . . ونراه لا ينظم في العام الطويل العريض غير قصيدة واحدة أو قصيدتين يتشوف فيهما إلى عروس غابه التي كانت تلهمه وتوحي إليه. ثم صدت فجأة. . . وولت لا يدري إلى أين. . .
أين وحي الخيال والوجدان ... يستقي منه خاطري ولساني
طال صمتي حتى خشيت على شعر ... ي يفنى وخفت وأد بياني
أسكوت والكون جم المعاني ... وسكون والنفس في ثوران
هذه نضرة الطبيعة تنثا ... ل جمالاً على مُحيَّا الزمان
وحرام في ليلة البدر ألا ... تسمع الأذن سجعة الكروان