للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[التطور وروح الدين]

للأستاذ محمود الشرقاوي

(إنا وجدنا الشارع قاصدا لصالح العباد. والأحكام العادية تدور معه حيثما دار. فترى الشيء الواحد يمنع في حال لا تكون فيه مصلحة. فذا كان فيه مصلحة جاز)

(الشاطئ)

لكل دين من الأديان روح تسيطر على مجموعة، وتتمشى في أصوله وفروعه. وتميز دعوته وتربط أحكامه جميعاً، وتساوق بين أجزائه وتوجه تيارها إلى غاية خاصة،

والإسلام يمتاز من جميع الأديان بأنه دين عام خالد لا دين بعده ولا رسالة. فهو لذلك قد جمع الله فيه كل ما تحتاج إليه البشرية من الأصول لجميع ظروفها وأحوالها وأزمانها وأماكنها، والحياة البشرية متغيرة سريعة التحول والانقلاب والسير في طريق التطور من حال إلى حال ومن قديم إلى جديد، وبالأخص في عصرنا هذا الذي تضاعفت فيه سير الحضارة، واختلطت الشعوب والأفكار واستولى على الإنسانية كلها ما يشبه الحمى في سرعة التحول والانتقال

فهل روح الإسلام وغايته العليا تعارض سير الحضارة وتقدم العالم؟ وتلزم البشرية بالوقوف عند حال واحد لا تتعداها إلا إذا تركت الدين واستعاضت عنه بأشياء مدنية لابد منها لاستكمال الحياة البشرية واطراد السير فيها والتطور من حال إلى حال؟ أم أنافأجيب بان الإسلام لا يتعارض بتاتاً مع سير البشرية وتحولها. وانه دين لين واسع الافق، نستطيع ان نوفق بين روحه وبين كل مظهر من مظاهر الحضارة، وان تجد في نصوصه ما يساير الأطوار المختلفة التي تتخطاها البشرية في عصورها المتباينة، وهذا ما أريد أن اكتب عنه في هذا الفصل،

ويجب أن نلتفت إلى الفرق بين (روح) الدين وغايته. وبين أحكامه الفرعية وتطبيقها، والفرق بين الدين كشعور وعقيدة وإيمان، والدين كتقاليد وأشخاص دينيين ومظاهر كنسية للحكم والسيطرة. فروح الدين وجوهره هو الشيء الخالد الباقي الذي لا يتعارض مع أي عصر. والذي تجد فيه كل حضارة وكل أمة في كل زمان ما يتفق مع احتياجاتها ويعينها ويسددها في سبيل الغاية العليا والكمال البشري الذي تسير إليه، روح الدين وجوهره هو

<<  <  ج:
ص:  >  >>