الشيء لذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
وعلى هذا الفهم نستطيع ان نجد في نصوص الدين الإسلامي وفي تاريخه أشياء تؤكد لنا انه دين يستطع أهله أن يجدوا فيه كل ما يتفق مع مظاهر الحضارة التي تغمرهم وتجذبهم إليها وتستولي عليهم وعلى جميع الدنيا طوعاً أو كرهاً.
وهذه أشياء اذكرها تؤيد ما أقول وتفصح عما أريد:
هذه المسايرة للزمن، وتطبق الأحكام على ملائمات الأحوال والظروف واختلافاتها. مع المحافظة على جوهر النصوص وروح الدين. نجدها عند شخصيات في قلوبها بصيرة للوقوف على مراميها أدراك الغاية منها وعدم التقيد بحرفيتها، ونجدها في بيئة تختلف عن البيئة التي عرفنا فهمها لهذه النصوص ودرسنا ما قالته فيها وما استرشدت فيه بحاجاتها العقلية والمدنية ومميزاتها الجغرافية والتاريخية.
فمثلا إذا كنا في عصر هين لين نحتاج فيه إلى زيادة الإنجاب والنسل، نجد روح الإسلام ما يشجعنا على التكاثر والتناسل والنماء. وان كنا في عصر عسير محرج ضيق نحتاج فيه القصد في الإنجاب والالتفات فيه إلى الكيفية لا إلى الكمية. فنجد من روح الإسلام ما يجعلنا نخفف من نسلنا ونتقلل على ما نريد. بل نمتنع منه إذ نريد نجد صحابيا جليلا وحاكما قادرا يبيح لنا التقليل من النسل. بل يوشك أن ينهانا عن العيال:(يا معشر الناس: إياكم وخلالا أربعة، فأنها تدعو إلى النصب بعد الراحة، وإلى الضيق بعد السعة، وإلى المذلة بعد العزة، إياكم (وكثرة العيال) وإخفاض الحال. . . الخ).
وإذا كنا في عصر يتشدد أهله في علاقاتهم الزوجية ولا يمتهنون رباط الأسرة، ويعرفون ان ابغض الحلال إلى الله الطلاق، فنحن نستطيع ان نجد في أحكام الإمام والخليفة عمر بن الخطاب ما يجعل الطلاق الثلاث بلفظ واحد يقع ثلاثا، وإذا كنا في عصر مثل عصرنا الحاضر وهنت فيه العلاقات الزوجية واضطرب رباطها وأصبحت ألفاظ الطلاق على كل لسان، فنحن نستطيع ان نجعل الطلاق الثلاث بلفظ واحد يقع طلقة واحدة، ونجد في نصوص الإسلام ما يتيح لنا ذلك كما وجدنا ما أباح لنا الأول: كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر الصديق وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب: ان الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة. فلو