للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[معارج الأحداث]

للأستاذ سعيد الأفغاني

ولست أعني بالأحداث من صغرت أسنانهم فقط، وإنما عنيت مع ذلك، أشباههم: ممن صغرت أقدارهم، وضؤلت معارفهم، ورقث عقولهم، وانحطت هممهم وتخلفت أعمالهم. . . ولو جللهم الله المشيب وعلت رؤوسهم النسائج البيض.

ولعمر الله ما أدري لِمَ يُعْرض الكتاب عن طبقة هي إحدى عوائق النهضة الصحيحة لعصرنا، فلا يصفون منها ما يصف الطبيب من الجراثيم وأعراضها وفتكها، ثم ما يكون من سبل الوقاية، وطرق العلاج. وهي طبقة تراها منبثة في الشوارع والأندية والمجامع والمعاهد والدواوين. . . لم يرزقها الله من المواهب ما تستطيع أن تنفع به، وحز في نفسها شعورها بالضعة وسقوط المنزلة، فاندفعت في صفاقة وقحة تدّعي ما ليس فيها، ثم ترامت في الطعن على الناس ذوي الأقدار ليعتقد لهم الجاهل بذلك فضلاً.

فإن كنت تنسب أمر الأطفال الذين يبغون أن يكونوا زبيباً قبل (التخصرم) إلى غرة الحداثة، فماذا أنت ناسب إلي ما أعرض عليك:

هذا أديب حباه الله كل المواهب اللازمة للأدب، وأخذ نفسه بدرسٍ طويل وصبر أطول حتى أخرج للناس أدباً نافعاً وأصبح مشاراً إليه؛ فيطمح فريق من أحداثنا، هؤلاء إلى مثل مكانته، فلا يكلف الأمر أكثر من محاولته جلب الأنظار إليه بالصراخ والغثاثة والدعوى العريضة، فإذا شكا إليك إعراض الناس، ونبهته إلى ما ينقصه من وسائل ومواهب، وأنه يحسن به أن يأخذ للأمر أهبته، رماك - في غيبتك - بالتثبيط، وحمل عنه هذه الفرية من كنت تظن بعقله البعد عن الانخداع.

وهذا يريد أن يكون كاتباً ولما يُحسنْ سبك جملة صحيحة بعد، ولما يستوعب فهم صفحة يقرؤها فيها صحيحاً، يعرض عليك مقاله فتنصحه بالتعليم، فيزورّ عنك محتجاً بتحقير شهاداته العالية ويطوف إدارات الصحف أو المجلات هو ووسطاؤه، فيروعك أن ترى سخطه منشورا، ويروعك أكثر أن تراه أحياناً قصد من لا تشك في إطلاعه وبصره، فيغشه في فترة سأم وإعياء.

وذاك لم يدّع أدباً ولا كتابة، ولكن حلاله أن ينتسب في الباحثين، فسطا على بحث نشر في

<<  <  ج:
ص:  >  >>