ثارت نفسه ثورة ضارمة جاحمة لِتَحَيُّف الغاصبين وطنه وتمزيقه شر ممزق؛ فصرخ الدم في عروقه، ولصرخة الدم دوي يسمعه الأحرار فتصيبهم جِنَّةٌ تخرجهم من ديارهم إلى القبور. . . وتَحرَّك الإيمان في قلبه، ولحركة الإيمان زَلزلةٌ تتحطم بها كل الشهوات ويستيقظ لها المؤمنون يقظة تخرجهم من قبور الغفلة إلى حومة الجهاد. . . وأقبل الملك والشيطان يصطرعان على فكره وهو بينهما كما تكون كُدْسَةُ الحَبّ بين شِقيّ الرحى. . . يدعوه الأول إلى خطة الأقل والأكثر فيها الفِداء في الدار التي عريت من الخلود وازينت بالشر، ويقول له: إنك ما كنت لتحيا هنا، وإنما الحياة هناك. . . فاذبح مالك لحريتك، واذبح شهوة الدعة في الزلة لكرامة العزة، واخرج من كل شيء لله الذي أعطاك كل شيء. . .
إيتِهِِ جسداً عارياً من الحلي والزينة، فإنها سلاسل تربطك بالأرض. . . وائتِه نفّسا عارية من كلَبِ شهوةِ البقاء. . . وائته عقلا عاريا من صور البنين والمملوك والذهب والفضة والمنصب، فإن كل أولئك أقذاء وحجب تغشى العين فلا تبصر ذلك اللفظ الصارم الذي لا يرحم، العابس الذي لا يبتسم: الواجب!
إيتِه عبداً مملوكا طائعا ولك الكرامة قبل أن تؤْخذ آبقا كارها وعليك كلمة السوء. . .
ويدعوه الثاني إلى خطة الأقل فيها السلامة. . . والأكثر فيها العيش الموفور المعَطَّرُ المُدَثرُ المفضض. . . ويقول له: مالك مجنوناً بالفناء وقد خلقت للبقاء؟! الناس قطعان حيوان ليس فيهم حرمة ولا لهم واجب فلماذا تموت ليحيوا. .؟ أتموت أنت الشابَّ الغُرَانِقَ المُقْبِل ليحيا العجائز والشيوخ المدبرون. .؟ لماذا تحمل وطنك بكل ما فيه على قلبك؟ ألقِه عنك يتحطم وعش على أنقاضه. . . دع أوهام الأديان وأحلام الفلاسفة والشعراء. . . أنت (لا تأتي إلى دنيك هذي مرتين؛ فلا تقف في وجه لذاتك مكتوف اليدين.!) ولماذا تقدم نفسك للمذبح ويتأخر فلان وفلان؟ انتظر حتى يتقدموا. . . أتموت ليبقى الزعماء فلان وفلان وفلان يتمتعون بالمجد والنعمة والحمل على الأعناق.؟ أتخشى حساب الله على تخلفك عن الجهاد؟