تلبس القصة الواقعية، في بعض الحين، ثياب الأسطورة الخرافية ونبذها في الغرابة، وكثيراً ما يحار العقل في تحليل وقائعها فينسبها إلى المصادفة والاتفاق، فإذا أعيته الحيل وعجز عن بلوغ الحقيقة المادية لجأ إلى القول بالقدرية والأسرار المجهولة، وأخيراً يعترف اعتراف المستسلم بالعناية الإلهية وهي قدرة فوق طاقة العقل الإنساني تحده عن إدراك الغاية الإلهية من صنع العجائب والخوارق والمعجزات
كنا عشرين رجلاً، منا الطبيب والجرّاح والمساعد والصيدلي فضلاً عن الأتباع، وكان عددهم يناهز الثمانين، وقد انتحينا ناحية في مؤخرة الجيش في ميدان القتال اتخذناها مستشفى للأعمال الجراحية والإسعافات الطبية، وكان كلما تقدم المحاربون من رجالنا تأتينا النقالات حاملة الجرحى فنضمد البسيط منها ونقطع الرأي في الأمور الخطيرة التي تتطلب السرعة
تقدم جنودنا تقدماً محسوساً أدركنا مداه من الدوي الذي كان يصل إلى أسماعنا مخنوقاً خافتاً حتى حسبنا أننا انقطعنا عن الجيش
لم نأبه لتقدم الجيش لأن حاملي المحفات لم يشكوا من طول الشقة الفاصلة بيننا وبينهم، وبينما نحن في مكاننا ذاك تستغرقنا أعمالنا إذا بالدوي قد عاد، وإذا بصفير الرصاص وقرقعة القنابل وجلبة القتال كأنها استردت نشاطها الحي، وأخذت المدافع تقصف وترعد وبدت كراتها تشق الفضاء وتمزقه تمزيقاً ولكنها كانت بجانب الاتجاه السوي