بعد بحث وتنقيب دام حوالي النصف قرن قدمت لنا صورة عن طبيعة سلوك الطفل تختلف كل الاختلاف عن الصورة التي قدمها لنا الباحثون القدماء في ميدان التحليل النفسي. فقد قدم لنا العلماء الحديثون القواعد الأولى التي بنيت عليها الدراسات الجديدة، وإن النقاط الرئيسية التالية تلخص وجهات النظر الحديثة في ميدان الدراسات العلمية التجريبية، في علم النفس الحديث يقول:
١ - إن الطفل تركيب عضوي حي نام يتطور على شكل تحولات وتغيرات متناهية في الدقة من الخلية الأولى إلى التكوين العضوي المعقد الذي يؤهل الفرد للعمل وفق مستويات الراشدين. وفي ميدان هذا النمو والتطور يشرح العلماء خصائص الأعمال والتكوينات الجديدة، وعناصر التغيرات التي تتناول الحجم والشكل والتركيب، وصفات التغيرات التي تتناول مستوى الفعاليات وأوجه النشاط. كما أنهم يبحثون أيضاً في المبادئ الأساسية التي تحلل أساليب هذا النحو المستمر وأحواله وهذه الفعاليات النشطة.
٢ - إن الطفل وحدة حية مستقلة بنفسها، تعمل بمفردها عملاً منظماً إزاء المواقف التي تواجهها. وهذه الخصائص الجزئية التي يتميز بها السلوك تحتاج إلى تأكيدات خاصة. وتثبت العلوم الكيمياوية والفيزيولوجية بأن الوحدات المنظمة تستطيع أن تنقسم إلى أجزاء متشابهة، وهذه الأجزاء تنقسم إلى أجزاء أصغر منها، وهكذا باستمرار. وبمقتضى هذا فإن القوانين التي تحكم هذه الوحدات المنظمة ستستمر في عملها بنوع من الدقة والتماثل ينتج أعمالاً منسجمة متحدة. وبما أنه لا الطفل ولا سلوكه يتجزأ هذا التجزؤ نفسه، فقد وجدت الصعوبات في ميدان التحليل العلمي للطفل من هذه الناحية، لأن كل الوسائل النفسية والأساليب القياسية التي استعملت لتحليل السلوك إلى وحدات نموذجية معينة قد اقتصرت على الأعمال التي يقوم بها التركيب العضوي بمجموعه. ولهذا السبب عندما نتكلم عن الذاكرة وعن التعليم وعن العاطفة، فإنما نتكلم عن أعمال سلوكية مستقلة صنفت وفق قواعد التماثل والتشابه، لأن هذه المظاهر ليست ظاهرة قائمة بذاتها، ولكنها جمعت مع بعضها