(ولد لويجي بيراندللو في ٢٨ يونيو سنة ١٨٦٧، في إحدى القرى بجزيرة صقلية ودرس في روما وفي ألمانيا، ثم عاد إلى روما واحترف أولا مهنة التدريس، وانصرف في جهوده الأدبية أولاً إلى الشعر، ثم إلى التأليف القصصي: ثم المسرحي وقد سلك في بادئ الأمر مسلك جيوفاني فرجا الروائي الصقلي الشهير. فكان يتخذ من قصصه وسيلة لوصف أهل صقلية ومعيشتهم وطباعهم: لكنه ما لبث أن ظهر أسلوبه الخاص. في رواية الشيوخ والشاب وفي قصة المرحوم ماتيا باسكال. واكبر ما يعاب على بيراندللو تغلب العقل على العاطفة في مؤلفاته ونظره إلى الأشياء على غير حقيقتها. وإغراقه في التحليل وتشاؤمه. ولكن براعته ومقدرته كانت موضع إعجاب شديد في جميع أوروبا. وقد ترجمت قصصه وتأليفه المسرحية إلى ١٥ لغة. ومثلت قطعته المسرحية باللغة الإيطالية في إنكلترا وفرنسا وسويسرة وفي ألمانيا فقوبلت بحماس شديد. وكان المؤلف نفسه يشرف على إخراجها.) بعد أن قضى دييجو برونو ساعات طوالاً يتمشى، بلا قصد ولا مأرب، على ضفاف نهر التيبر، في ذلك الحي الهادئ المسمى براتي دي كابتللي في مسيرة جدران الثكنات، ومبتعداً قدر جهده على ضوء المصابيح، أحس فجأة أن التعب قد نال منع فتوقف هنيهة تحت ظل شجرة، ثم صعد البرابي المطلة على النهر. . وهناك جاس موليا وجهه تلقاء النهر، ومدلياً رجليه من فوق السور. ومن تحته الماء يتدافع في جريانه بصوت مبهم غامض، وقد انعكست على صفحته القاتمة أضواء مرتعدة مضطربة أرسلتها مصابيح الضفة المقابلة وشمل السكون المكان، فلم يكن ينبعث من المنازل المقابلة صوت، ومن وراء تلك المنازل، على
بعد شاسع كان يبدو شبح مدينة روما. وفي السماء قطار يتدافع من السحب الصغيرة، ذات اللون الرمادي الشاحب. وكإنما كانت تهرول مسرعة، لكي تلبي دعوة داع قد أهاب بها من المشرق إلى اجتماع غامض عجيب، وقد اشرف القمر من فوقها كأنه يستعرضها وهي تمر سراعاً بين يديه. جلس الفتى من غير حراك، وقد ولى وجهه شطر السماء، محدقاً في تلك