السحب. التي استطاعت بجريانها السريع أن تكسب الليلة المقمرة نشالها وحركة. لا شك أن هذا أحد الناس. قد وقف ليرقب مثله منظر الليل ولكي يتأمل في تلك السحائب وهي تمضي سراعاً، وإلى القمر في السماء إذ يستعرضها، وإلى تلك المياه المظلمة القاتمة، وما انعكس عليها من شعاع مرتعد مضطرب. ثم تنهد تنهد الحزين، فان إحساسه وجود رجل آخر ضايقه، وافسد عليه تلك اللذة الحزينة التي يبعثها شعوره بالوحدة، ومن حسن الطالع انه كان يجلس في الظلام، فعسى القادم ألا يراه، والتفت لكي يستوثق من الأمر. وجعل يحدق في هذا الغريب. يا عجباً! ما خطب هذا الرجل وقد وقف جامداً فريداً وحيداً؟ ثم ما هذا الشيء الذي بيده كأنه حقيبة صغيرة؟ لا ليست هذه حقيبة. بل قبعة. . . وبعد فماذا عساه أن يفعل؟ رباه! انه يصعد السور. . أتراه يريد أن يرتكب. . ويلاه. . ما هذا؟ وتراجع دييجو بغريزته إلى الوراء، مغمضاً عينيه، حابساً نفسه، وماداً يده إلى الأمام كأنما يدفع شراً، وهو يتوقع سماع صوت ذلك السقوط المروع في الماء الذي تحته. حادث انتحار. . . يا عجباً. . كيف يجوز مثل ذلك؟ ثم فتح عينيه، وجعل يحدق في الماء تحديقاً شديداً وهو يحاول أن يخترق ببصره أعماقه السوداء. فلم تقع عيناه على شيء. . . الصمت شامل والهدوء باسط جناحيه. . لا صياح ولا نداه ولا صوت. فيا عجباً! ألم يره أحد، ولم يسمع صوته إنسان؟ هنالك تحت لجج النهر رجل يغرق، ولعله الآن يكافح في يأس وفي جهد. . . كل هذا يجري وهو جالس في مكانه مرتعداً عاجزاً خائراً!. . . أما يحمل به أن يبادر فيطلب النجدة! أو يصيح بأعلى صوته ولكن هيهات. . لم يعد يجدي الصياح والاستنجاد! لقد رضي أن يبقى مختبئاً في مكانه المظلم، تاركاً ذلك المسكين يغرق!. . جمد في مكانه كالصخرة الصماء، حابساً نفسه، سائلاً نفسه من آن إلى آن: أحقا قضي الأمر. . قضي الأمر؟ وبعد حين جعل ينظر فيما حوله. . لعل الأمر كله حلم رآه! إن كل شيء باق كما هو لم يتغير: المدينة راقدة تحرسها المصابيح، وسط سكون عميق كما كانت من قبل، والأضواء ترتعد على صفحة الماء القاتمة بأشعة ثعبانية ملتوية. . لم يتغير في هذا المنظر كله سوى شيء واحد: فلقد كان على عمود مصباح من المصابيح قبعة الرجل بقيت هناك حيث تركها، وكان المصباح يرسل عليها شعاعاً شاحباً مشؤوماً. . وكانإليه أن تلك القبعة تؤنبه وتتهمه. . فأخذ يرتعد فرقاً. ثم نزل مسرعاً من فوق البرابي،