للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصص]

قصة من روائع موباسان:

الغريب. . .!

بقلم الأستاذ مصطفى جميل مرسي

أخذنا بأطراف الحديث والعربة تغادر بنا مدينة (كان) زاخرة براكبيها، ولم نكد نتجاوز (بارسكن) حتى صاح أحدنا:

- ها هو ذا المكان الذي كانت تذبح فيه الناس!

فإذا بنا نخوض في أخبار الخرافات، ونتناول سيرة أولئك القتلة الذين كانوا - فيما مضى - يسلبون الناس أرواحهم ويغتصبون أموالهم. فراح كل منا يدلي بما يساوره من قصص، ويطرح ما يراوده من خواطر. . . وطفقت النساء يحملقن مروعات في ذلك الظلام الحالك من خلا النوافذ. . . يتوجسن خيفة أن تقع أبصارهن على رأس آدمي لدى الباب!

وتأهب أحد الأطباء - وكان يشد رحاله إلى الجنوب كل عام إذا ما بدت تباشير الشتاء - ليلقي في أسماعنا واحدة من تلك القصص التي يكتنفها الغموض والغرابة:

(لم يسعدني الحظ يوما لكي أبلو شجاعتي وأهجم جسارتي في أمر من هذا القبيل، إنما كنت على معرفة بسيدة قد طواها الموت وكانت ممن أعالجهن. . . حدث لها أمر من أغرب الأمور وأشدها حزنا في هذا الوجود. .

(كانت روسية تدعى (الكونتس ماريا بارنوا). . . وهي امرأة عظيمة ذات حسن ساحر وفتنة باهرة. . . وأنتم تدركون كم هن جميلات أولئك الروسيات بأنوفهن الرقيقة، وثغورهن الرشوفة، وعيونهن النجل، وقدودهن الفضة. وما يبدين من الصلابة الأباء مع فيض من العذوبة والإغراء. . . فيهن كل ما يخلب لب الرجل الفرنسي ويثير افتتانه!

(وكانت (الكونتس) فريدة بينهن، وقد فطن طبيبها منذ سنوات إلى الداء وهو ينهش في صدرها، فأخلص لها النصح في أن تسعى إلى جنوب فرنسا. . . بيد أنها أبت أن تبارح (سان بطرسبرج)، فانثنى الطبيب - في الخريف الماضي - فانذر زوجها بسوء المصير، فألح هذا على امرأته أن ترحل إلى (منتون) في فرنسا.

<<  <  ج:
ص:  >  >>