(أين أنت يا صديقي؟ منذ كم ألتمس لقياك فلا أجد سبيلاً إليك!)
هكذا سألني صديقي وقد لقيني على الطريق منطلقاً لبعض شأني على غير ميعاد. . . فأخذت أسال نفسي سؤاله إياي:(أين أنا؟)
هأنذا واقف بازائه على حيد الشاعر استمع إليه وهو يفيض في الحديث سائلاً ومجيباً، وعاتباً وعاذراً؛ ولكنني مع ذلك لسن هنا!
أن نفسي هناك. . . بل أنني على التحديد لا أعرف أين نفسي!
في هذا المكان الذي يجمعني وإياه، كنت وكان، ولكني مع ذلك لا أكاد أشعر أنني وإياه في ذاك المكان!
(أين أنت يا صديقي؟)
عجباً؛ أنه ليراني بازائه لأراه، وأنه ليعرف مكانه من نفسي؛ وإن الحب الذي وجد بين قلبينا لخليق بأن يلهمه الجواب ولكنه مع ذلك يسأل، ولكنني مع ذلك لا املك الجواب!
[أين أنا؟]
لقد اخطر هذا السؤال في بالي معاني وصوراً جمة، تذكرني حيث كنا. . . ويوم كنا. . . وتنشر على عيني صحائف من ذكريات الماضي ومشغلة الحاضر وأماني المستقبل!
هأنذا واقف بازائه على حيد الشارع جسداً إلى جسد، فإنني لمعه، ولكنني لست في هذا المكان! وإنني لبعيد عنه، ولكنه معي في سياحة فكرية طويلة تنتقل حيث شئنا في ذكريات الماضي الغابر ونطوي السنين في لحظات!
أتراه كان يراني؟ أتراه كان يعرف أين مكاني؟ هل كان بازائه في تلك اللحظة إلا جسداً وصورة؟
أنه ليسألني:(أين أنت؟. . .) وإنني لأسال نفسي. . .
هل كنت معه؟ هل كنت بعيداً عنه؛ هل كان يجمعني وإياه مكان؟ هل لقيني جسداً أم لقيني فكراً وعاطفة؟ هل كان الذي معي هنا على حيد الشارع هو الذي معي هناك في وهمي وفي ذكرياتي؟