والأشعار القصصية الطويلة التي أتوا فيها على ما سعد به ملوكهم من جلال الانتصارات وعز الفتوحات. بيد أنه لا يسعني إلا أن المع في إيجاز إلى كتاب (المحاورة بين مصري ونفسه) تلك المحاورة التي يزخر فيها كل ما يزخر في الحياة النابضة من قوة دافقة، وتمثل صراع الروح والجسد، وأزمات الوجدان الطاحنة، وفورات العواطف المتأججة، وهجسات الضمائر، في مهاوي ضعفها ودركات فورها، أو درجات مجدها وذروات قوتها
وهناك ثلاثة كتب جديرة بالعناية أولها كتاب (بتاهوتب) وهو اقدم كتاب في الدنيا كما يقول المؤرخون. وفي هذا الكتاب فصول ممتعة، فانتم ترون مؤلفها حين يعرض لذكر المرأة يكتب عنها كمؤلفي القرن العشرين - حفاوة وإجلالاً وإكباراً -
أما الكتاب الثاني فهو (حكم الكاتب آني) ولست أريد أن أطيل الوقوف عند هذا الكتاب وإنما أريد أن اذكر منه نبذة واحدة نصح فيها المؤلف الولد برعاية أمه فقال: (ضاعف الطعام والشواب اللذين تقدمهما لأمك فهي التي تعبت في تربيتك ووجودك وأدخلتك المدرسة وعنيت بتهذيبك وتثقيفك. أحذر من أن ترفع يدها إلى السماء ضدك فتسمع الآلهة شكاتها) ويظهر من هذا جلياً أن رياسة الأسرة في ذلك الحين كانت للأم حيث ينبئنا الكاتب أنها هي التي عنيت بتهذيب الولد وأدخلته المدرسة
أما الكتاب الثالث فهو سياسي بحث وعنوانه تعاليم أمينمعهت الأول وهو غاية في الحكمة والحيطة، كتبه إلى امينه يحذره ممن حولهم من أهل البلاط ومن دسائسهم الكثيرة
وهنا اكتفى بما تقدم مبرهنة على أن مصر بأدبها القديم قد كانت أستاذة الدنيا ومعلمة الوجود، وحسبي أن اختم بقول مسيو سانتهلير:(لست أريد أن أرد على الذين يتهمون اليونان بعدم معرفتهم القراءة ولكتابة إلا بهذه الكلمة وهي: كيف يجهل اليونان القراءة والكتابة وقد كانت تربطهم بالمصريين صلات قوية؟!!)
وجدير بهذا كله أن ينبه غافلنا، ويشعرنا بحاجتنا إلى أيجاد أدب قومي يصور المزاج العقلي المصري، ويستمد من صميم الحياة المصرية مادته وعناصره ومسالكه، فيمثل حالتنا الاجتماعية، وحركاتنا الفكرية، والعصر الذي نعيش فيه لكي تكون لأدبنا شخصية بارزة ممتازة، تضمن لنا المكان العالي الذي نريد أن نشغله بحق في خريطة الوجود.