للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصص]

قصة شاءول بن شمويل اللاوي

للأستاذ محمد فريد أبو حديد وكيل مدرسة القبة الثانوية

قد كان لي ولع بالتجوال في البراري، ففيها كان الهواء مما يلذ امتلاء الصدر منه، وفي سمائها صفاء يروق الأبصار لا تدانيه زرقة البحر إلا في أيام الخريف الوادعة، ورمال الصحراء أخاذة باللب في لآلائها واختلاف لون حصاها، فإذا ما جرت عليها قطرات من الغيث في الشتاء غسلت عنها ما يغشاها من التراب، فإذا هي تزري باليواقيت وللآلئ، وإذا أسعد الإنسان الحظ فجاس خلال تلك الرمال في عقب سيل لا تزال منه بقية تجري في جدول رأى منها المعجب والفاتن حتى ليتمثل العذراء الحإليه وقد راعها ذلك الحصى فلمست جانب عقدها النضيد. وقد جمع حب ذلك التجوال بين قلوب مختلفة الأصول متباينة الطباع، يرضعون جمعيهم معا من ثدي تلك الطبيعة الجميلة حتى لقد نما في قلوبهم إخاء هو أقوى من الإخاء المعتاد إذ قد عرف كل منهم أخاه وكشف عن مخبوئه في تلك المعاشرة الطويلة، واعتاد كل منهم أن يكون مستعدا لان يبذل كل شيء حتى حياته ذاتها في سبيل الإخلاص لصديقه. لا عجب أن تكون الصحراء مهد جلائل الأمور!

وقد قصدت يوما مع صديق من الانجليز، وهو ممن يهيمون بالصحراء هياما، وقصدنا معا إلى برية سيناء نقطع الفيافي بمركبة القرن العشرين ونطوي أميالها مرحلة بعد مرحلة، فكانت صحبة عجيبة من كل الوجوه.

قلت له في فترة من فترات ما بين التفكير المتصل: كأني بك من أبناء الصحراء يا مستر لي. فأن حبك للصحراء وصبرك على مشتقاتها ينمان عن بدوي في اصله)

فقال لي باسما (إن البدوي وجواب البحار أخوان، فإذا لم يكن في دم البدوي فان في بغير شك دما من جوابي البحار)

قال لي ذلك وهو يحدق بنظرة في ناحية من الصحراء إلى يسارنا ونحن نطوي مراحلها، ثم قال لي:

انظر إلى هذا الموضع. كأني به فناء بيت من بيوت الجان، إنني اشعر بانجذاب عجيب نحوه. ألا ترى أن نقف هنا قليلا؟ أن التمتع بالصحراء لا يكون إلا إذا سرنا فيها كما كان

<<  <  ج:
ص:  >  >>