يسير البدو على الإبل أو الحمير أو ما سوى ذلك من وسائل السير الوئيد. أما هذه السيارات السريعة فليست هنا إلا دخيلة غريبة. إنها تدخل السرعة والعجلة والقلق إلى ارض خلقها الله لتكون وادعة متئدة مطمئنة
قال هذا وعرج إلى الموضع الذي أشار إليه وأوقف دولاب السيارة والقينا عصا السير وجلسنا إلى جانب صخرة قائمة كأنها المائدة، واعددنا عدة الطعام إذ كان وقته قد أظلنا، وكان سمرنا على ذلك الطعام حديثا أوحاه إلينا الموضع. وأي حديث لمن يسير في برية سينا أقرب من حديث قوم موسى؟ لقد كان المكان يوحى به وحيا فاستغرق خيالنا حتى كأننا كنا نعيش في ذلك الوقت ونحس بما كان ينبض به قلب أهله
كان ذلك الموضع متسعا من الأرض تحيط به تلال من كل نواحيه إلا من جهة الغرب المائل إلى الشمال، وكان متدرجا في العلو من خارجه إلى داخله، ولا يكاد تمر عليه ساعة من النهار وليس في ناحية منه ظل ممتد. وكانت الرياح كلها محجوبة عنه إلا الرخاء التي تتهادى إليه من الشمال الغربي. فجلسنا به جلسة هنيئة زادت حديثنا اطمئنانا واستغراقا.
وخاطبت صاحبي في شيء من الدعابة قائلا (كم شهدت هذه البقعة من مناظر جليلة! أترى قد شهد موضعنا هذا بعض مواقف بني إسرائيل يحرجون صدر موسى بذكريات عدس مصر وفولها؟ فأجاب صاحبي (لقد كنت أفكر في هذه اللحظة في أن مكاننا هذا لابد قد وطئته أقدام من خرجوا من مصر مع موسى) وكنا قد فرغنا عند ذلك من أكلنا فقمنا نمشي رويدا ونتحدث. وحدث أن ضربت بقدمي حجرا من الأحجار على عادة كانت بي منذ صغري كنت اعتدتها في عبث الصبا، وما كان اشد عجبي إذ رأيت أن ذلك لم يكن حجرا بل كان قطعة من عظام جمجمة آدمية.
إذن لقد شهد ذلك الموضع حادثة إنسانية! وإذن فان لذلك الموضع قصته! فوقفت حيث كنت وملت إلى الموضع لأفحص موضع تلك العظمة فإذا بي أبصر عظمة أخرى قد طمرها الرمل. فتناولت حجرا وجعلت أحفر ما حولها لاستخرجها فرأيتها تتصل بهيكل إنساني. فاعتراني انقباض شديد، واسترجعت ثم ألقيت الرمال التي كنت استخرجتها لكي أعيد لتلك العظام مدفنها، وفيما أنا في ذلك إذ بدا لي سطح من الخشب الصقيل. فتركت ما كنت فيه وأقبلت على ذلك الخشب أفحص أمره، وإذا به غطاء صندوق صغير طوله نحو نصف