متر في عرض اقل من ذلك بقليل وعمق أقل من عرضه، وكان صديقي عند ذلك قد بدأ يقبل على مساعدتي إذ رآني قد عثرت على شيء يستحق الاهتمام، فاستخرجنا الصندوق من مكانه ونفضنا عنه الرمال، ونزعنا عنه غطاءه فإذا فيه مجموعة من الجلود الرقيقة وقد دب إليها شيء من الفساد من اثر البلى. وكانت على تلك الجلود كتابة يميل لونها إلى السواد، وكانت بقلم غريب
انتهى بنا السير بعد ذلك إلى غايتنا، ثم عدنا وكان ذلك الصندوق قطب حديثنا في رجعتنا إلى القاهرة. ففرضنا فيه الفروض المختلفة وتناقشنا في قيمة ما فيه حتى بلغنا نهاية رحلتنا، فكان أول هم لنا أن نطرق باب صديق من علماء الآثار ليساعدنا على كشف ما وراء ذلك الطلسم.
نظر صديقنا العالم إلى صحيفة منها نظره الفاحص ثم قال:(إن هذا خط كاتب مصري. وهذا المداد مما كان يستعمله الكتاب في عصر الإمبراطورية الثانية في المحابر النحاسية التي كانوا يضعونها في مناطقهم. وهذا هو الحرف (الديموطيقي) الذي كانوا يكتبون به في الدواوين عند ذلك
قال هذا ونظر إلى أول سطر من الصفحة طويلا ثم علت وجهه ابتسامة الظفر وقال:(لم يكن كاتب هذه السطور مصريا بل هو (شاءول اللاوي) أحد بني إسرائيل الذين خرجوا مع موسى من مصرفي أيام (منفتاح) فرعون مصر، وقد كتبها بلغة قومه العبرانيين كاتب بارع
ولأخذ يترجم لنا الصحائف واحدة بعد واحدة فإذا هي آية العجب وفريدة الصدف وها هي:
(أنا شاءول بن شمويل بن شمعون اللاوي من عشيرة اللاويين قادة إسرائيل وساداتهم. كنت بمصر مع قومي وكنا في أرض جاشان مهد أبي وجدي، والأرض التي دفنت فيها عظامهما. كنت في أول الأمر صاحب خاتم الأمير (راحا ترع) ثم حدثت الحوادث المشئومة المعروفة فطردت كما طرد كل قومي من خدمة المصريين، ووضعت على رقابنا العبودية. وكنت أنا ممن حشروا لعمل اللبن من الطين لبناء مدينة (بيثوم) تسوقنا سياط المقدمين ورؤساء العمل ذوي الأيدي الصلبة والقلوب التي مثل خشب السنط.
وكانت مشقة العمل تزيد من يوم إلى يوم، وكلما مر شتاء علينا جاء شتاء آخر أشد منه برداً، فامتلأت نفوس الشعب الإسرائيلي من الغيظ والحقد. وبدءوا يسأمون حياتهم،