للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أبو الثناء الألوسي الكبير]

بمناسبة مرور مائة عام على وفاته

للأستاذ محمود العبطة

- ٣ -

عزلة من الإفناء:

بعد سنين حافلة بجليل الأعمال، يانعة بنهضة العلم وتقدم الأدب ورقي المعارف، يرعاها الألوسي الكبير بعلمه الوافر وأدبه الثر، وشخصه اللامع. . . بعد هذه السنين التي هي بمثابة ضوء لامع ساطع يمده شهاب الدين الألوسي بالقوة والحياة، في تلك السنين المظلمة المعتمة، وبعد تلك السنين الخصبة صدرت إرادة الخليفة العثماني بنقل الوالي المصلح علي رضا من ولاية بغداد وتعيين الوالي نجيب باشا مكانه (كانت ولايته عام ١٨٤٢م) ولم يكن الوالي الجديد يقل عن الوالي القديم حبا للإصلاح وإيثارا للأمن والسلام، وإن كان يفرق عنه في إيثار القوة حين ينقع العقل، والتصرف الصحيح، ويفرق عنه أيضا في عنجهيته وكبريائه، وعذره في الخيلاء والكبرياء أنه من بيت السلاطين، ويجري في عروقه الدم الملوكي! وكما كانت بداية علي رضا دليل شؤم ونحس على الألوسي، إذ سجن فيها وعذب، فقد كانت نهاية ولايته دليل شؤم ونحس على الألوسي بالذات وعلى (بغداد) التي وجدت فيه خير باعث لاسمها ومجدها أخيرا. . جاء محمد نجيب للولاية، ولم يكن يعلم حالة أهلها وما هم عليه من تحزب وشقاق، وحسد ونفاق، وبعد أن استقر به المقام وتسلم زمام الولاية، تحركت جيوش البغي والنفاق، التي أخرسها عدل علي رضا، إذ تمكن أعداء الألوسي الكبير أن يفهموا الوالي الجبار أن مفتي بغداد يكره ويكيد له، وأثر ما تمكن هذا القول من قلب الوالي، تجمع الأعداء وعددهم أكثر من مائتين تبعهم جمع كبير من السوقة والرعاع ثم قصدوا قصر الوالي نجيب الواقع في خارج بغداد القديمة وعلى شاطئ دجلة. وعندما قربت الجموع من قصر الوالي اندهش مما رأى وقال في سره إن ثورة حدثت، أو انقلابا يهدد ولايته وخليفته بالويل والثبور، وعندما استطلع الخبر أخبره زعماء المظاهرة أن سبب البلاء ورأس الفتنة هو أبو الثناء الألوسي مفتي الحنفية الذي يشاركه فيها واعظ

<<  <  ج:
ص:  >  >>