للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الجيلي، وأن من الخير وقطعا لدابر الفساد عزل المفتي الألوسي من الفتوى ونفي الواعظ إلى مدينة البصرة! فأجاب الوالي طلب المتظاهرين وأصدر حالا أمره بعزل الألوسي من الإفتاء، وذلك عام ١٢٦٣هـ وقد سبقت هذه الحادثة، حادثة أخرى تصور درجة حقد الوالي على اللألوسي ودرجة لؤمه أيضا، وتلك الحادثة الأخرى هي أن كتابا ورد اللألوسي المفتي من قصر السلطان في الآستانة، يطلب فيه رجال القصر حضور مفتي بغداد إلى العاصمة العثمانية للاشتراك في ختان أبناء السلطان عبد المجيد؛ فطلب الوالي من المفتي الاعتذار عن حضور الختان، فأجاب المفتي اللألوسي طلب وأرسل رسالة يعتذر فيها عن الاشتراك في الحفلة والوالي الذي يطلب من الألوسي عن السفر يقوم بدور الثعلب المراوغ فيرسل إلى القصر العثماني رسالة يتقول فيها ما يشاء ويتهم الألوسي بأنه لم يحضر الحفلة إلا كبرياء واحتقارا!

ومهما كان السبب فقد عزل الألوسي من الإفتاء، وانصرف بكليته إلى إتمام تفسيره وتعليم تلاميذه ومنادمة خلانه. وقد قابل أمر العزل برباطة جأش معهودة فيه بكل أطوار حياته مترقبا الأيام، وتقلب الأحوال. . كل هذا والوالي يتحين الفرص للقضاء عليه، والفتك به، ولما لم يجد سبيلا لذلك فقد قطع عليه مصدر رزقه الوحيد، وهو ما تدره عليه تولية جامع مرجان من مال قليل يقتات به وأهله الكثيرون، فأصدر الوالي نجيب أمره بعزله من التولية بعد أن عزله من الإفتاء وصادر وظائفه الأخرى، وذل بعد عزله من الإفتاء بخمسة أيام مع أنه عين متوليا على جامع مرجان قبل تعيينه مفتيا على مدينة بغداد، هكذا تقول المصادر التاريخية، وقولها الصدق، ولكن للجبروت والاستبداد صولة وسلطة في عهد لم تقيد فيه سلطة الحاكمين بالقوانين والأنظمة والعرف المستقر.

وبرفع الفتوى والتولية عن الألوسي الكبير توالت النكبات عليه، وعضه الفقر بنابه حتى باع كتبه وأثاثه وحاجاته البيتية ليقتات أهله وعائلته الكبيرة بثمنها. وهو مع هذه المصائب منصرف إلى إنجاز التفسير والقيام بواجب الدراسة ومجالسة الإخوان. ويقول اللألوسي في مقاماته التي هي منبع غزير وصور صادقة لحياته وعصره، خصوصا وأنه كتبها في سنيه الأخيرة. يقول واصفا وظيفة الإفتاء وتدخل الحكام في شؤون المفتي (وقد كنت أرى أمر الإفتاء، أمر من القضاء حيث مزقت الشورى أذاك أديمه، وأسقمه أعضاء المجلس ذوو

<<  <  ج:
ص:  >  >>