الآراء السقيمة، أعضاءه السليمة، فلم يكن يختاره إلا ذو جهالة، قد جعل والعياذ بالله تعالى دينه لدنياه حباله، وحاشاني أن أكون كذلك.) وبقي في حاجة ملحة إلى المادة، وفي قلق نفسي لا يزيله إلا مجالسة إخوان الصفاء ومدارسة التلاميذ والطلبة. وعند وصول أحمد أبن الوالي بغداد، عرض شكواه عليه، ووصف سوء حالته له، فوجد منه أذنا صاغية، وقلبا رحوما، أزال منه بعض بلواه.
ورحلته إلي الأستانة:
مضت السنة الأولى والثانية والثالثة والألوسي يتحمل ضربات القدر، بعد أن سد باب رزقه، وبعد أن لم يبق في بيته من أثاث وأشياء ما يباع، حتى كاد - على ما يقول أن يأكل الحصير على مداد التفسير، وقد وجد - وهو الخبير بتقلب الأحوال وطباع الناس - أن خير مخرج له هو أن يشد الرحال إلى العاصمة العثمانية: خصوصا وحالته المعاشية تزداد في الهبوط، إذ لا مصدر للرزق له، ثم إن دروسه التي يلقيها في بيته تلقى مجانا على سنة علماء بغداد. . عزم الألوسي على السفر إلى أستا نبول، ليعرض شكا يته إلى أولي الأمر، ويرفع ما بقلوبهم من كراهية وحقد. فشد رحاله في غرة جمادى الثانية عام ١٢٦٧هـ (١٨٤٥م) وكان معه في قافلته المؤرخ سليمان والوالي عبد الكريم ومصطفى الربعي وإقبال الدولة الهندي. . تحركت القافلة ضحى جمادى، تحمل كبار القوم ومعهم الألوسي وولد عبد الباقي، وكان لسان حاله يردد قول الأمير الحميري:
ففيم الإقامة في بلدة ... تناكرني بعد عرفانها
سارت القافلة على بركة الله فوصلت الموصل فجزيرة أبن عمر فديار بكر حتى وصلت سامون ومنها ركب الألوسي إلى القسطنطينية. وصل المدينة التي كان يحلم بها والتي كانت المركز العصبي للدولة الواسعة وكانت استنبول في عهده عروس الشرق الأوسط لأن الأموال تجبى من أطراف المملكة لكي تسعد هذه المدينة وتتزين! فأتصل بشيخ الإسلام عارف حكمت الحسيني وقدم له التفسير فقابله الشيخ ببرودة غير معهودة، وأخيرا تمكن الألوسي من إقناعه وإزالة ما في صدره من أقاويل، وجرت بين شيخ الإسلام والمفتي السابق مناضرات ومباحث دلت على سعة اطلاعهما، أعانه شيخ الإسلام للنزول بدار الضيافة في القصر، إذ قدم مذكرة إلى الصدر الأعظم (رئيس الوزراء) ضمنها مطالبة