قصة مدينة سامراء من أغرب وأمتع قصص المدن في التاريخ:(قطعة أرض قفراء) على ضفة مرتفعة من نهر دجلة (لا عمارة فيها ولا أنيس بها، إلا ديراً للنصارى) تتحول - في مثل لمح البصر - إلى مدينة كبيرة، لتكون عاصمة لدولة من أعظم الدول التي عرفها التاريخ، في دور من ألمع أدوار سؤددها. . . تنمو هذه المدينة الجديدة وتزدهر بسرعة هائلة، لم ير التاريخ مثلها في جميع القرون السالفة، ولم يذكر ما يماثلها بعض المماثلة، إلا في القرن الأخير - في بعض المدن التي نشأت تحت ظروف خاصة - في بعض الأقسام من العالم الجديد
غير أن هذا الازدهار العجيب لم يستمر مدة طويلة، لأن المدينة تفقد (صفة العاصمة) التي كانت (علة وجودها وعامل كيانها) قبل أن يمضي نصف قرن على نشأتها، فتأخذ في الإقفار والإندراس بسرعة هائلة، لا تضاهيها سوى تلك السرعة الشاذة التي كان تم بها تأسسها وتوسعها
وبعد أن كان الناس يسمونها باسم (سر من رأى) أضحوا يسمونها باسم (ساء من رأى). . . وبعد أن كان الشعراء يتنافسون في مدح قصورها، أخذوا يسترسلون في رثاء أطلالها
فبعد أن قال ابن الجهم في وصف أحد قصورها:
بدائع لم ترها فارس، ... ولا الروم في طول أعمارها
صحون تسافر فيها العيون ... إذا ما تجلت لأبصارها
وقبة مَلك، كان النجو ... مَ تُفضي إليها بأسراها
يرثيها ابن المعتز، بقوله:
قد أقفرت سر من ري ... وما لشيء دوام
فالنقض يحمل منها ... كأنها آجام
ماتت كما مات فيل ... تسل منه العظام
وفي الواقع ماتت سامراء ميتة فجائية بعد عمر قصير لم يبلغ نصف القرن؛ وأمست رموساً وأطلالاً هائلة، تمتد اليوم أمام أنظار الزائر، وتتوالى تحت أقدام المسافر إلى أبعاد