آذار. . . يا مُطلِق الحياة من قيود الشتاء. . . وباعث النور في أرجاء الكون. . . حدثني. . . كيف ضمعت إليك (دمشق) بعد هذا الفصل القاتم، وذاك الجو الغائم؛ وتلك الليالي القريرة؟!. . . هل أزحت عنها أثقال السحاب. . . وجبت ظلام الضباب. . . ونشرب الروح في جنباتها الحلوة. . . أم أنها لا تزال بعدُ غارقة في صمت الشتاء، صابرة على أذى الفرّ. . . تنذرها السماء؛ وتهددها العواصف؟!. . .
آذار!. . . أيها المنطلق هنا على حفاحي النيل. . . تستمع إلى أنشودته الصامتة؛ وهمسه الخفيف. . حدثني عن (بردي) هذا النهر الوادع. . . ألا يزال ثائراً مضطرباً. . . يحمل الخوف، وينشر الذعر، ويبث الاضطراب، ويفيض على أطرافه وجنباته كأنما ملّ مظاهر الجور ومهازل الحياة. . . أم أنه عاد سيرته الأولى. . . يحمل الأمان إلى النفوس، ويشع الحياة في المهج؛ وتصطفق أمواجه الفانيات وتنصت إليه أفئدة وقلوب. . . لتسمع أغنيته الخالدة، ولحنه البارع. . . وتنتشر على ضفتيه طوائف الناس تنعم بهذا الرحيق السلسل، وهذا الصفاء الجميل. . . وتقرأ في صفحاته آيات المجد الذي انبثق مع (الغساسنة) وترعرع في جنبات قصورهم الناعمة؛ وتكامل في عهد (أميَّة) وفي ظلال سلطانهم الواسع. . . ثم غاب حيناً من الدهر. . . فبكاه هذا النهر. . . بدموعه وعبراته. . . حتى إذا ولد من جديد في تاج (فيصل) وملك (فيصل). . . وفتح عينيه للنور، ومدَّ ذراعيه يريد أن يحبو. . . انتزعه الدهر؛ في ليلة سوداء كالحة، ورمى به في صحراء اليأس المجدب. . .
آذار!. . . أيها المرح هنا في ربوع (الأرمان)؛ وملاعب الجزيرة، وحدائق النيل. . . حدثني. . . هلا حملت المرح إلى وطني الآخر. . .؟ هلا زرعت البسمات على الشفاه. . . ودفعت الدم في العروق، وأحييت موات الأمل في القلوب. . . .؟ أم أن القوم في شغل عنك. . . يقارعون الدهر العصيب، ويجالدون الزمن الغادر، ويدارون الأحمق السفيه؟