للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

آذار. . . أيها الضاحك هنا على شفاه الأزاهير الفوّاحة. . . حدثني. . . عن أزاهير دمشق. . . هل تفتحت عنها براعهما بعد هجعة طويلة ثقيلة. . . وهل نشطت الحياة في هاته الشجيرات الفتية القائمة في وسط الحدائق كأنها زمرة غانيات في موكب زفاف. . . ترقص مع خطرات النسيم، وتهتز مع أنداء الفجر، وتصفق كلما ذهب بها الهواء هنا وهناك؟. . . وهل استفاقت هذه الجنات الفيح يا آذار. . . فنثرت الزهر، ونشرت العطر، وطبعت على وجه الدنيا قبلتها الضاحكة. . . كأنها تنفخ فيها روحاً من النشاط؟

والغوطة. . . هل اكتست الغوطة ذاك الثوب الزاهي يا آذار! بعد عرى طويل. . . فنبت في أرضها العشب الأخضر. . . ريّان نديَّاً. . . ينفح الفتوة، ويمور بالحياة، ويستقبل الشمس مع الصباح بقطرات من الندى المبعثر. . . البراق كالماس. . . ويودعها مع المساء وهو يقبلها كأنه يتمنى ألا تزول عنه. . . ثم يبكي فراقها في الليل بدموعه الصافية اللألاءة؟!. . .

. . . والزهر المتشقق على مبسم الغصن يا آذار!. . . هل رقت أوراقه الملونة لنجوى المحبين، وآهات الشاكين، وقلوب المتيمين؟ وهل خرج الناس يشهدون هذا السحر الحلال، وهذه الروعة الضاحكة. . . وينعمون بهذه الأجواء المعطرة، والدنيا المتأنقة، وينشقون في هوائها الأرج والعبير، ويطوفون بها كما يطوفون في جنات الخلد. . . ويقرءون آيات الله البارعات في الغصن المائس والفروع المهتزة، والماء الذي يخرج به نبات مختلف ألوانه؟!

. . . . ومواكب الزهر يا آذار!. . . هل شهدت (دمشق) هذا العام مواكب الزهر؟. . . وهل ضحكت هذه الدنيا الصابرة لصروف الزمان وعبث الدهر. . . وهل صافحت عيناها من جديد. . . هؤلاء الفتيان الذين يذهبون هنا وهناك. . . مع شعاعات الفجر الأولى، يستقبلون الصباح، ويرتعون في الحقول، ويمرحون في الجنان، وينتقلون. . . كالفراشات الطائرة. . . من شجرة إلى شجرة، ومن غصن إلى غصن. . ويصفقون مع أمواه النهر، وينتشون من هذا السحر؛ ويقضون يومهم لله ولأنفسهم. . . ثم يعودون. . . وفي أيديهم هذه الحمالات من الورد؛ وهذه الباقات من الزهر؛ ينشرون عبيرها في رحاب المدينة وأحيائها. . . في صدورهم البشر، وفي وجوههم المرح؛ وعلى ألسنتهم نشيد الوطن الغالي؟!. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>