للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الحديث ذو شجون]

للدكتور زكي مبارك

البلبل العائد إلى الروض - بيني وبين أصدقائي

البلبل العائد إلى الروض

كنت أحب أن أجزي الأستاذ البشبيشي ثناءً بثناء، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ ولكن غرامي بالمشاغبة غيَّر مقام الخطاب، فأنا سألقاه بالملام لا بالثناء، وهو المسئول عما سيقع في كلامي من قسوة وعنف، لأنه حدثنا أنه مُقْبلٌ على أمر عظيم هو العودة إلى الروض، وقد كادت كلمته بالرسالة تشهد بأنه يعاني مشقة أليمة في رياضة جناحيه على النهوض، بعد طول القرار بأرض الهُجود، إن جاز الوهم بأن الغفوة تجوز على قلب ذلك الصديق

وما لي لا أقول الحق فأصرح بأني أخاف على الأستاذ البشبيشي عواقب العودة إلى روض الأدب والبيان؟

أنا أخاف على هذا الصديق أشد الخوف، لأن ماضيه القريب داني على أنه تعرض لغضب الأدب مرتين، ولو شئت لقلت إنه تعرض لغضب الله مرات. . . ولكن كيف؟

نسي الأستاذ البشبيشي أو تناسى أن الله يسوق المكاره إلى النوابغ من وقت إلى وقت ليفتح عيونهم وقلوبهم على ما في الوجود من أنوار وظلمات، ونسي أو تناسى ان الله يطالب أولئك النوابغ بالحمد على تلك المكاره، لأنها في الواقع نعم سوابغ

فما الذي صنع ذلك الصديق وقد تفضل الله بامتحانه مرة ومرتين ومرات ليشرع القلم في وصف ما يعتلج في ضمير الوجود من آراء وأهواء وحقائق وأباطيل؟

أُوذيَ البشبيشي بالظلم والغدر والعقوق، فهل استفاد قلمه من ذلك الإيذاء؟

أيكون آثر العفو عن ظالميه؟ إن كان ذلك فما الذي صدر عن قلمه في ذلك الصفح الجميل؟

المهم هو ان ينتفع الكاتب من جميع الظروف، فيكون لقلمه حنين ورنين وصرير وزئير، وفقاً لاختلاف الأحوال من قلق وهدوء، وبؤس ونعيم، فإن ضيع هذه الفرص السوانح وترك عواطفه تخمد وتبيد فهو غير أهل للعودة إلى الروض، ونحن على صده قادرون، فليس منا مَن يضيِّع فرصة الانتفاع بمواسم القلوب في القبض والبسط واليأس والرجاء

<<  <  ج:
ص:  >  >>