إن روض الأدب ليس حديقة مصقولة الحواشي كالحدائق التي تقام في قصور الأمراء والوزراء، فتلك حدائق لا تغنِّي فيها البلابل إلا وهي محبوسة في أقفاص، أو ما يشبه الأقفاص من المغاني المسقوفة بأسلاك الحديد
روض الأدب ليس من تلك الحدائق حتى يقول الأستاذ البشبيشي إنه قادم للغناء وفي يده وَترٌ حنّان هو قلمه البليغ
هيهات، هيهات، وإنما روض الأدب جنة وحشية تشبه الجنة التي اعترك فيها الخير والشر والهدى والضلال لعهد آدم وحواء
في روض الأدب أزهار ورياحين، وفيه أيضاً أشواك وحيات وشياطين
هو روضٌ وحشي تجاورَ فيه الكِناس والعرين، واقترب فيه عش الطائر من وكر الثعبان، وأنتَ واجدٌ بذلك الروض ما شئت من صنوف السم والترياق، ففيه أنهار من الشهد وبحار من الصلب، وفيه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر من أفانين الود والحقد والصدق والبهتان
في ذلك الروض الوحشي لا يغرد البلبل إلا وهو مطمئن إلى أنه تفرد بالقدرة على السباحة في لجج الهواء. . . وفي ذلك الروض يزأر الأسد وهو واثق بأنه السيد المطلق، وفيه يبغم الظبي حين يعرف مسالك الأمان من كيد أولئك (السكان)
كل شئ حيٌ في ذلك الروض حتى هوامد الأعشاب وصوامت الغدران. فما الذي أعددت، أيها البلبل، لزيارة هذا الروض؟
ما أشد خوفي عليك، يا صديقي، فأنت فيما يظهر لم تسمع بأفاعي الرياض
البلبل في ذلك الروض يغني بالنهار، ويسهر خائفاً بالليل، لأنه يعرف أن في ذلك الروض خلائق مؤذية تتسلق الأشجار في الظلمات لتعصر رقاب البلابل ثم تبتلعها برفق؛ والموت هو الموت ولو جاء في أعقاب النشوة بكؤوس الرحيق
وأنا جربت الحياة في روض الأدب، وعرفت من أهوال ذلك الروض ما لا تعرف. وهل تعرف أني كنت في روض الأدب بلبلاً وأفعواناً ورئبالاً؟ هل تعرف أني غَنّيتُ ولَدَغتُ وهَصَرتُ؟ هل تعرف أني قابلتُ خلائق ذلك الروض بأسلحةً مختلفات: منها الصوت الرخيم، والناب المسموم، والمِخْلبُ الفاتك؟