خرج أبو الطيب من شيراز لثمان خلون من شعبان قاصداً بغداد فالكوفة
ويقول بعض الرواة إن أبا الطيب لما قدم على عضد الدولة ومدحه وصله بثلاثة آلاف دينار وثلاثة أفراس محلاّة، ثم دس إليه من يسأله أين هذا العطاء من عطاء سيف الدولة؟ فقال: إن سيف الدولة كان يعطي طبعاً وعضد الدولة تطبعاً. فغضب عضد الدولة وأوصى إلى جماعة أن يقتلوه. وروى صاحب الإيضاح أن عضد الدولة قال إن المتنبي كان جيد الشعر بالغرب. فلما بلغت المتنبي قال: الشعر على قدر البقاع
وهاتان روايتان لا تثبتان على النقد. فأبو الطيب قد أفرغ وسمعه في مدح صاحبه ونال من جوائزه ما ملأه شكراً. فكيف قال ما نسب إليه؟ وكيف وهو يعلم أن كلامه حري أن يبلغ عضد الدولة؟
وعندنا رواية تخالف هذه:
قال صاحب الصبح المنبي: حكى عبد العزيز بن يوسف الجرجاني كاتب الإنشاء عند عضد الدولة قال: لما دخل أبو الطيب المتنبي مجلس عضد الدولة وانصرف عنه أتبعه بعض جلسائه، وقال له سله كيف شاهد مجلسنا وأين الأمراء الذين لقبهم منا. قال: فامتثلت أمره وجاريت المتنبي في هذا الميدان. وأطلت معه عنان القول. فكان جوابه عن جميع ما سمع مني أن قال ما خدمت عيناي قلبي كاليوم. ولقد اختصر اللفظ وأطال المعنى وأجاد فيه. وكان ذلك من أوكد الأسباب التي حظي بها عند عضد الدولة
فهذه الرواية أشبه بحزم أبي الطيب. ولماذا يقول الشاعر في أمير أفاض عليه عطاءه إن هذا عطاء متكلف وسيف الدولة كان يعطي طبعاً؟ أكان يبغي إرضاء سيف الدولة وهو في شيراز ولا يبالي إغضاب عضد الدولة وقد قصده وبذل في مدحه وسعه، ونال من عطاياه ما أثقله شكراً. ورواية (الشعر على قدر البقاع) سبيلها في الرد والدحض سبيل أختها
ثم ما الذي يغري ابن بويه بقتل شاعر عظيم أشاد يذكره وآثره بالمدح على ابن عمه معز الدولة ووعده أن يرجع إليه ليخلد مآثره. إن أعداء عضد الدولة أولى بهذه التهمة. وقد